بمثل ما قال: إن المصدر هو الناصب نفسه لا بالتشبيه بالفعل، واسم الفاعل، بل بحكم الأصل؛ لأنه يطب ما يطلب الفعل، وإن كان اسمًا؛ لأن معناه معنى الفعل إلا أنْ يكون لمجرد التأكيد فإنه كسائر الأسماء، وإذا كان كذلك فادعاء أن العمل لغيره لا دليل عليه. وإذا ثبت ذلك في نحو: ضَرْبًا زيدًا، أعني في نصب المفعول فهو كذلك في نصب المصدر إذا قلتَ: ضربًا زيدًا ضربًا شديدًا.
فإن قيل: إنّ ضربًا لا بدَّ له من ناصب، هو الفعل، فهو إذًا العامل في نفس ذلك النائب، فكذلك يكون عاملًا في غير النائب أيضًا، وإلا فكونه عاملًا في النائب وغير عامل في الآخر قولٌ بالتحكم.
فالجواب: أنه يلزم من هذا أن يكون الفعل عاملًا في مصدرين، والفعل لا يكون كذلك، فلا يقال: ضربتُ زيدًا ضربًا ضرْبَ الأمير اللّصِّ، ولا: قام زيدٌ قيامًا قومةً واحدةً، وما أشبه ذلك، ولذلك قالوا في نحو مثال سيبويه: اعلم الله زيدًا هذا قائمًا العلم اليقين إعلامًا: إن العلم اليقين إنما انتصب بإضمار فعل لا بأعلم، وبيّنوا أنّ الفعل لا يعمل في مصدرين؛ لأنّ الفعل إنما يعطي مما يطلبه شيئًا واحدًا، ولذلك لا يعمل في ظرفي زمان، ولا ظرفي مكان، ولا حالين، ولا تمييزين، فإن جاء ما يُوهم ذلك فهو محمول على البدل، أو على إضمار فعل. وقد أجاز ابنُ الطراوة عمل الفعل في مصدرين، يكون أحدهما