تحقَّق كيف تصحُّ دلالته عليها، فهو ما ذكر في السؤال، فعبارة الناظم يصحُّ تنزيلها على ما تقدّم من أن الفعل في أصل وضعه دالٌّ على معنى مقترن بزمان محصَّل، ولا يلزم الناظم أن يتنزّل لذلك التفصيل المقرر، بل يكفيه ما قال عن ذلك.
ويقال أمِنْتُ الشيءَ أمنًا، وهو ضد خِفتُه، وأمنتٌ الرجل أمانة: إذا وثقت به، من الأول قوله تعالى: {أأمنتم من في السماء} الآية، ومن الثاني: {قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل}. ومثال الناظم من الأول، لأنه أتى بالمصدر على أَمْن، ولو قال كأمانة من أمِن لكان من الثاني. ثم قال:
بمثله أو فعل أو وصف نُصِبْ ... وكونه أصلًا لهذين انتُخِبْ
اعلم أن المصدر إنما يُنصَبُ بما يُنصَبُ به المفعول به، وذلك أحدُ ثلاثة أشياء ذكرها الناظم:
أحدها: المصدر، وهو الذي عني بقوله: "بمثله" يريد بمصدر مثله، ولا يعني المثلية من جميع الوجوه، وإنما يريد أنه مصدر لا غير؛ إذ لا يكون المصدر المنصوب به إلا نائبًا عن الفعل، نحو: ضرْبًا زيدًا ضربًا شديدًا، أو مقدّرًا بأن والفعل، نحو: عجبت من قيامك قيامًا حسنًا، ولو كانت المماثلة في كلامه معتبرة من كل وجه لكان المصدر المبيّنُ لا ينصبه المصدر إلا مبيِّنًا، ولكان المصدر المؤكِّد لا ينصبه المصدر إلا مؤكدًا، والمؤكد لا ينصِب أبدًا حتى يكون نائبًا، وهو إذ ذاك غير مؤكّد. ومن النصب بالمصدر قول الشاعر -أنشده سيبويه:
يمرون بالدهنا خفافًا عيابهم ... ويخرجن من دارين بُجْرَ الحقائب