الجملة من جهة طلبا له، لكن لما كان هذا لازما لم يشترطوه؛ إذ لا فائدة في اشتراط ما هو لازم غير مفارق. فإن قيل: إنما كان يكون دليلا عليه لو عينه دون غيره، أما إذا لم يعينه فليس بدليل عليه.
قيل: بل هو دليل عليه، ومعين له تعيينا ما، وذلك أنه قد يقع المفعول نكرة، كرأيت شخصا، وأبصرت شيئا، وعرفت أمرا، وأكرمت إنسانا، وذلك ما أشبهه قد يساوي مفهوم: رأيت، وأبصرت، وعرفت، وأكرمت بحسب المخاطب، فقد دل الفعل على ما شأنه أن يصرح به فلم تكن دلالة الفعل واقعة من غير تعيين البتة، وأيضا إن سلم فالدلالة الإجمالية لا تضر في هذا الموضع بخلاف غيره، فقد صح أن الشيء لا يحذف إلا لدليل، وأن اشتراط ذلك في المفعول لا يحتاج إليه. ونبه بقوله: "وقد يكون حذفه ملتزما" على أن حذف الناصب هنا على وجهين:
أحدهما: جائز غير لازم، فيجوز إظهار ذلك الناصب.
والثاني: لازم، فلا يجوز إظهاره فالذي يجوز إظهاره، هو الشائع الكثير، كما إذا رأيت رجلا متوجها وجهة الحاج وفي هيئة الحاج. فقلت: مكة ورب الكعبة، فالتقدير: يريد مكة، وكذلك إذا رأيت رجلا يسدد سهما نحو القرطاس، فقلت: القرطاس والله، أي يصيب القرطاس، وإذا سمعت وقع السهم على القرطاس، فقلت: القرطاس فالتقدير: أصاب القرطاس، أو رأيت الناس يصوبون النظر إلى الهلال ثم كبروا فقلت: الهلال والله، فالتقدير: أبصروا أو رأوا الهلال، أو رأيت رجلا يريد أن يوقع فعلا من ضرب أو إعطاء أو غيرهما، فقلت، زيدا، فالتقدير اضرب زيدا، أو أعط زيدا، وكذلك إذا