حذف الجار، ونصب الاسم الذي قد كان جبر به موقوف على السماع، ويستوي في ذلك ما كان الحذف فيه مختصا بالعشر كالأمثلة المتقدمة، وما كان مستعملا في الكلام كوزنت لزيد ما له، وكلت له طعامه، إذ قلت: وزنت زيدا ماله، وكلته طعامه، وكذلك نصحت، وشكرت، فإنك تقول: شكرت له، ونصحت له، وتقول أيضا: شكرته، ونصحته. هذا إن ثبت أن ثبوت الجار فيها هو الأصل، وإلا فهما استعمالان مستأنفان ليس أحدهما أصلا للآخر.
فإن قيل: كلامه هنا مشكل من وجهين: أحدهما: أن قوله: "وغد لازما بحرف جر" قاصير، لأن التعدي بحرف الجر ليس مقصورا على اللازم دون المتعدي، بل كل فعل متعديا كان أو غير متعد يتعدى بحرف الجر، ألا ترى أنك تقول: ضربت زيدا في الدار، وأكرمته بسببك، وأعطيته درهما لانتفاعه به، وعرفت زيدا بكذا، وكثيرا من ذلك بحث لا يقصر في التعدي عن قولك: قام في الدار، وانطلق إلى فلان، ومررت على عمرو، وما أشبه ذلك، بل الضربان على سواء في هذا التعدي كما أنهما مستويان في التعدي للمصدر، والظرفين، والحال وغيرها من المنصوبات التي ينصبها كل فعل. ثم إن حكمها في النصب بعد حذف الجار حكم اللازم، فإن الشاعر إذا اضطر جاز له أن قول: أظفرت زبدا طائرا، وأمررته الدار، ومنه:
يشبهون سيوفا في مضائهم
ولا أعلم أن أحدا يخالف في هذا المعنى، ويدخل في هذا النمط باب: اختار، واستغفر مما يتعدى لواحد بنفسه ولآخر بحرف الجر، ويجوز إسقاطه، فإن الأصل في الثاني حرف الجر، وحذفه سماع.
فإن قلت: كيف يكون سماعا، وإسقاطه مطرد سائغ غير موقوف عندهم