نصحته كذلك، فيقتضى أنه غير متعد، وأيضا فلا يستتب فيه ثبوت حرف الجر، وذلك يقتضي أن متعد؛ إذا كان يصح أن تقول: نصحته وشكرت على الجملة. وهذا اضطراب. والثاني: أن ظروف الزمان والمكان قد يتسع فيها حتى إن ما كان منها متصرفا يجوز فيه ذلك قياسا، فصارت أفعالها مما شأنها أن تلحقها هاء غير المصدر، نحو قولك يوم الجمعة سرته، ومكانكم قمته، وشهر رمضان صمته، وفي القرآن الكريم: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} وهذا على إجراء الظرف مجرى المفعول به مجازا، وهو كثير في كلام العرب. فإذا كان كذلك فكل فعل صلح معه هاء الظرف متعد على طريقته. وكل فعل يعمل في الظرف متعديا كان أو غير متعد، فاقتضى أن قمت، وصمت، وقعدت، وغير ذلك من غير المتعدي متعد، وذلك غير صحيح؛ إذ النحويون لا يطلقون عليها اسم التعدي حقيقة. ومن هذا الباب: دخلت مع الأماكن المختصة فإن هاء غير المصدر يطرد فيها. مع أن سيبويه وغيره لم يجعله متعديا.
والثالث: أنه أخرج بهذا الضابط قسما من أقسام المتعدي؛ إذا قسم النحويون المتعدي ثلاثة أقسام: قسما يتعدى بنفسه، وقسما يتعدى بحرف الجر، وقسما ثالثا يتعدى بنفسه تارة وبحرف الجر أخرى. وإنما عدوا ما يتعدى بحرف الجر قسما ثالثا من اجل لزومه الطلب للمعول كالمتعدي بنفسه، كمررت، وعجبت، ورغبت، فإنها طالبة للمجرور لزوما. وفرقوا بينها وبين ما لا يطلبه لزوما، كقام، وقعد، فجعلوا طلبها للمجرور إن وجد غير تعد، وسموه تعلقا. فالناظم قد نظم هذا القسم في سلك ما لا يتعدى. وذلك خلاف ظاهر.