صار تَعدّي الفعل السببي المخفوض يطلب بالرفع, وهمزة الاستفهام تطلب بالنصب فيترافعان أحكامَ الاختيار فيتساويان, ولهذا وَجهٌ, ولكنَّ ظاهرَ النظم عدمُ اعتبار هذا بالنظر, حيثُ قدّم اختيار النصب مع الهمزة مطلقًا, وأنّ التقاربَ بين: زيدًا ضربتُه, وزيدًا مررتُ بأخيه لا يقوى أنْ يُقابِلَ الاستفهام. والله أعلم. ثم قال:
والرفعُ في غيرِ الذي مرّ رَجَحْ ... فما أُبيحَ افعل ودَعْ ما لم يُبحْ
هذا هو القسم الخامس وهو: ما الرفعُ فيه المُختارُ. ولم يقيّده بموضع غيرَ أنّه قال: ((في غير الذي مرّ)) يعني أنّ ما عذا ما تقدّم من الأقسام يُختارُ فيه الرفعُ, يعني على الابتداء, نحو: زيدٌ ضربتُه, فالمختار رفعُ زيدٍ على الابتداء, لأنّ الفعلَ قد شُغِلَ بضميره فلا حاجة إلى إضمار ما لا يُحتاجُ إلىه. قال سيبويه: ((وإنّما حَسُنَ أنْ يُبْنى الفعلُ على الاسم حيثُ كان مُعملًا في المضمر وشغلتَه به, ولولا ذلك لم يُحْسن)) يعني: ولولا شَغلُكَ إيّاه بالمضمر لم يحسُن رفعُ زيدٍ؛ لأنّ قولَك: زيدٌ ضربتُ مرجوحٌ؛ إذ لم تشغل الفعل بشيء قال: ((وإن شئتَ قلتَ: زيدًا ضربتُه)) يعني على غير الأحسن, وعلى الجملة فكلُّ ما خرج عن تلك الأقسام داخل في هذا القسم.
ثم قال: ((فما أبيحَ أفعل ودَعْ ما لم يُبَحْ)) فظهر من هذا الكلام أنّه زائدٌ بغير فائدة؛ لأنه تقدّم له ما يباح فأباحه, وما لا يُباحُ فمنعه, فتقرّر هذا المعنى مع تكررٍ يأباه نظمُه المبنيُّ على عدم الحشو؛ إذ كان فيه يجتزئُ بأدنى إشارة,