العاملَ في الضمير هو بنفسه العامل في الظاهر. وهو أيضًا معدومُ النظير. وأمّا أنء نقول: إنّ السابق أيضًا انتصب بإضمارِ فعل يفسّره هذا الظاهر من باب الإضمار على شريطة التفسير, وإن كان قليلًا, وعلى غير قياس فهو أولى؛ لأنّ الحمل على ماله نظير -وإن قلّ, وخرج عن القياس- أولى من الحمل على ما لا نظير له. قالوا فهذا الذي حمل النحويين على أن قالوا: إن السابق منصوب بفعل مضمر يفسّره ما بعده. والله أعلم.
وقوله: ((أُضمرا حتمًا)) يعني أنّ هذا الفعل لا يظهر أصلًا؛ لأنّه قد جعل المفسّر كأنه بدلٌ منه, ولا يجمع بين البدل والمبدل منه. وقد زعم بعضهم أنه يجوز إظهاره, والجمع بينه وبين ذلك المفسّر, فتقول: ضربتُ زيدًا ضربتُه. واستدلّ على ذلك بقول الله سبحانه في الحكاية عن يوسف عليه السلام: {إني رأيتُ أحدَ عشر كوكبًا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} فجمع بين رأيتهم لي/ ساجدين, وبين (رأيتُ) الأوّل.
وأجاب الناس بأنّ الآية ليست من هذا الباب؛ لأنّ (رأيتُ) الثاني في الآية إنّما جاء توكيدًا لرأيت الأوّل بعد ذكره, كما تقول: رأيت زيدًا, رأيت زيدًا, وأمّا رأيته في قولك: زيدًا رأيته فلم يُؤتَ به للتأكيد, بل هو الأصل في الكلام وتقدير (رأيت) الأول إنّما هو تقديرٌ صناعيٌّ بعد ثبوت الثاني وبنائه على التأسيس, فلو فرضنا ظهورَ الأول لم يَبْقَ هذا الثاني ملفوظًا به؛ إذ لم يقصد التأكيد. فهذا فرقُ ما بينهما, وهو بيّن إذا عُرفَ الاصطلاح.
وقوله: (موافق لما قد أُظهرا) موافقٍ: نعت لفعْلٍ, وكذلك الجملة من قوله: ((أُضمر حتمًا)) أي فانصبه بفعل مضمر موافق للمظهر, وأراد أنّ ذلك الفعلَ من شرطِه أنْ يكونَ موافقًا لما ظهر؛ إذ هو مفسّره, ولا يفسّر إلّا ما كان