وأتى الناظم بمثالٍ، وهو قولُه: «كنِيلَ خيرُ نائل» فخيرُ نائلٍ هو المفعولُ المقام، والأصل: نال زيدٌ خيرَ نائل، و (خيرُ نائل) يَحْتَمِلُ من جهة اللفظ أن يكونَ اسمَ مصدر كالنَوَال، فإنه يقال: نال زيد نَوَالاً، ونائلاً، وهذا ليس بمرادٍ هنا؛ إذ ليس كلامُه هنا في إقامة المصدر بل في إقامة المفعول فإنَّما مراده بخير ما يراد به في قوله تعالى: {وافْعَلُوا الخَيْرَ} أو قوله: {إنْ تَرَكَ خَيْراً} وفي قولهم: أنلته خيراً، ونائلٌ المضافُ إليه - وهو صاحب الخير - اسمُ فاعل لا اسمٌ جامد، كقولك: هذا قائلٌ، أي نِيلَ خَيْرُ مَنْ يُنِيلُ، ومَنْ عادتُه النوالُ، ويقال: نُلْتُه خيراً، وأنلته خيراً بمعنى. ثم أخذ في بيان بناء الفعل للمفعول؛ إذ كان بناؤه للفاعل لا يتأتى للمفعول، فقال:
وَأوَّلُ الفِعْلِ اضمُمَنْ والمُتَّصِل ... بالآخِرِ اكْسِر في مُضَيِّ كوُصِل
واجعَلْهُ من مضارعٍ مُنْفَتِحاً ... كيَنْتَحِي المقولُ فيه: يُنْتَحى
الأفعال ثلاثة: ماض ومضارع وأمر. فأما الأمر فخارج عن هذا الباب جملة، فلا يبنى للمفعول أصلا؛ لأنه في أصل وضعه مناف لحذف فاعله، والعرب إذا أرادت ترك المفعول مع بقاء معنى الأمر أتت بالمضارع مقرونا بلام الأمر، فتقول: ليُضربْ زيدٌ، ليُفعل كذا وكذا، فكأن العرب استغنت ببناء المضارع بلام الأمر عن بناء الأمر لعدم التأتي فيه، فبقي الماضي والمضارع، فشرع في كيفية نقلهما من صيغة الفاعل إلى صيغة المفعول، فيعني أنك تضم أول الفعل أبدا سواء أكان ماضيا أم مضارعا، ولذلك قال: (وأولَ الفعل)، ولم يقل: وأول الماضي اضممن؛ لأنه مضموم في الماضي والمضارع معا، ثم بعد ذلك فصَّل الأمر في الفعلين بالنسبة إلى تغيير ما قبل الآخر؛ إذ يعلق به أيضا حكم البناء للمفعول، لكنه يكون في الماضي