وأمَّا مرفوعُ فعل المقاربة مع منصوبه فمَذْهَبُ البصريين على أنَّه لا يُحذفُ فينوب عنه المنصوبُ ولا غيره، لأنَّ المرفوعَ مع المنصوب مبتدأ وخبرٌ، كما لا يكون ذلك في كان لا يكون أيضاً فيما هو مثلُها، وأيضاً فإنَّ الخبرَ في باب المقاربة جملةٌ، والجملة لا تنوب عن الفاعل، ولا ما أشبه الفاعل، ونُقِلَ عن الكسائي إجازةُ: جُعِلَ يُفْعَل على إقامة ضمير المجهول مُقَامَ المرفوع، وقد تقدّم ما فيه في مسألة: كِينَ يُقام، وعن الفراء أنَّه بعد الحذف لم يَقُم مقامَه شيءٌ لاستغناء الكلام عنه. وهذا غيرُ مرضيِّ لِمَا تقدّم من أنَّ كلَّ فعلٍ لا بُدَّ له من فاعل أو ما يَحُلُّ محلَّه؛ إذ لا يستقلٌّ كلامٌ بغير مرفوع، وأيضاً لم يُسْمَع لذلك نظيرٌ، فلا يُعَوَّلُ عليه.
القسم الثاني: أنَّ ما سوى المفعول به، والظرف، والمجرور، والمصدر لا يُقامُ مُقامَ الفاعل، فلا يُقامُ مقامَه المفعولُ له، ولا المفعولُ معه، ولا الحالُ، ولا التمييزُ، ولا المستثنى.
فأما المفعول له فلأنَّ انتصابه ليس كانتصاب المفعول به، وإنما هو عِلَّةٌ للفعل، فامتنع أن يُقام - وهو كذلك - كما امتنع أن يُقَامَ الظرفُ - وهو ظَرْف - وإنما تَمَكَّنَ المفعولُ به في الإقامة لما تقدّم، وأيضاً فالمصدرُ يُضافُ إليه ولا يُذْكَرُ الفاعل، كما يضاف الفاعل ولا يُذْكَرُ المفعولُ به، وليس المفعول له كذلك، فلمَّا لم يكن مثلَه في هذه المناسبات وغيرها لم يجز أنْ يُقَام.
فإن قيل: فالظرفُ يُقام مُقَامَ الفاعل، وهو ظرفٌ في المعنى؛ إذ هو على إرادة (في) فأجِزْ إقامَة المفعول له وهو على إرادةِ اللام.
قيل: الظرفُ يُتَّسَّعُ فيه بأنْ يُنْصَبَ نَصْبَ المفعول به، فيُقامُ لأنه كالمفعول به، ولا يخرج عن معنى الظرفية، فإذا قُلتَ: سِيرَ عليه فرسخان، أو يومُ