للحرف من ذلك, فأخبر أن الحروف كلها مبنية لا تستحق إعرابًا: لأن الإعراب إنما يُحتاج إليه ليُفرق به بين المعاني المعتورة على الكلمة اللاحقة لها بعد التركيب , والحروف خلِيَّة عن لحاق المعاني لها سوى ما كان لها بأصل الوضع , فلم تستحق أن يدخلها إعراب فبُنيت لذلك.
وفي إتيانه بلفظ (مُستحِقٌ) هنا نَظَرٌ, وهو أنه إنما قَصَدَ أن يبين أن الحروف كلها مبنية, وليس فيها ما يعرب, كما كان ذلك في الاسم والفعل فكان الواجب عليه أن يأتي بلفظ يُعطي هذا المعنى, لكنه لم يفعل ذلك من جهة أن لفظ (مُستحِقٌ) إنما يُعطي أن البناء من حق الحروف ولا يدل حصوله له. ألا ترى أنك تقول: فلانٌ الشريف مُستحِقٌ للإكرام, وإن لم يحصل إكرامٌ أصلًا, وتقول الأجير مُستحِقٌ الأجرة وإن يُعطه. ومن هذا مسألتنا الفعل المضارع هو مستحق للبناء من حيث أن فائدة الإعراب من التفرقة بين المعاني التركيبية غير موجودة فيه على مذهب البصريين, ومع ذلك فقد أُعرب. فلم يستلزم استحقاقه للبناء حصوله, ومن ذلك "أي" فإنها مستحقةٌ للبناء لتضمنها معنى الحرف في الشرط والاستفهام , ولافتقارها إلى غيرها في باب الموصولات ثم لم يحصل لها البناء, وينظر إلى هذا المعنى ما قاله جماعة من العلماء في قوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤمِنًا مُتَعمِّدًا فَجَزَؤُه جَهَنَّمُ) الآية. قالوا المعنى ذلك جزاؤه, إن جازاه, إذ لا يلزم من تقدير الجزاء للمُجازي حصوله, أي هو مستحق لهذا النكال الشديد, ويبقى حصوله مسكوتًا عنه فالحاصل أن الاستحقاق للشيء لا