التقديم ممنوعًا لا دليل يدلّ على جوازه. والذين أجازوا هم الكوفييون -فيما نُقِل- وابن الطراوة. والصحيح ما ذهب إليه الجمهور من البصريين، وهو الذى يساعدُ عليه السماعُ، وهو القياس أيضًا، كما تقدّمَ بيانه أولَ المسألة.
فإن قيل: ظاهر قوله: «وانو ضمير الشّأنِ» .. إلى آخره، أَنّ ذلك التأويل هو المقصودُ في البيت لا غيره، ومثلُ هذا لا يقطع عليه، لإمكان أن يقصد الإلغاء؛ إذ لا يمنع أن يكون الشاعر قاصدًا له لا لضمير الشأن، ولا للام الابتداء، وإنما الأمر غايةُ الأمر الاحتمالُ، فهو الذى يكفى في مثل هذا، إذ به يسقط استدلال الخصم، فكان وضعُ الناظم للتأويل غير مستقيم.
فالجواب: أنه لم يرد بذلك القطع على قائله، بدليل أنه حَمّله وجهين لا يجتمعان في قصد الشاعر، وإنما أَمَر الناظر في المسألة بأن تقدّر أنّ الناظم قصده، ليدخل الاحتمال في الدليل، لا لأنه مقصود الشاعر. وأيضًا فإن فرضنا قصده إلى تعيين أحد الوجهين دون ما قاله الخصمُ فلذلك وجهٌ صحيح؛ فإنّ البيت محتمل لأوجه ثلاثة، اثنان منها قد ثبت لهما أصل في كلام العرب، وهما نيّة الضمير أو نيّةُ اللام، فنيّةُ الضمير ثابتةٌ في البيت المذكور وفي قولهم: إنّ بك زيدٌ مأخوذٌ، وفي غيرهما، بحيث لا ينازَعُ فيه -ونية اللام أَيضًا ثابتةٌ في نحو: {قَدْ أَفْلَح مَن زَكَّاها} لأن مثل هذا من جواب القسم إنما يكون باللام، فإذا رُدّ بيت الحماسة إلى أحد هذين فقد رُدّ إلى أصل ثابت كان قويًا أو ضعيفا، بخلاف الوجه الثالث الذى تمسّك به الخَصْمُ، فإنه لا يرجع إلى أصلٍ ثابت؛ إذ