وإنما لم يفعلوا ذلك بالجملة لااسمية ولم يُرَجِّحوا الفَصْلَ كالفعلية؛ لأنك قد جئت أَنْ باسمٍ وخبرٍ، كما جئت (بهما) بعد المثقّلة المُعْمَلَةِ، فكأَن ما حُذِف لم يُحْذَفْ، يقال في الفَصْلِ مع الجمكلة الفعلية: إنه عوض، ولا يقال ذلك فيه مع الجملة الاسمية، كما جِئَ به لما تقتضيه الأداةُ من المعنى.
وأما فِعْلُ الدعاء فلم يحتج إلى فضلٍ لأنه لا يُوصِلُ إليه مع الدعاء، قال سيبويه: «وَأَمّا قولهم: أَمَا أَنْ جَزاك الله خيرًا، فإنهم إنّما أجازوه -يعنى من غير فَضْلٍ- لأنه دعاء، ولا يَصِلُون هنا إلى قَدْ ولا السين. ولو قلت: أما أَنْ يَغْفِرُ اللهُ لَكَ، جاز لأنه دعاء، ولا تَصِلُ هنا إلى السين». قال: «ومع هذا أيضًا أنه قد كَثُر في كلامهم حتى حذفوا فيه إِنّهُ -يعنى المكسورة- وإِنّه لا تُحذَفُ في غير هذا الموضع. وسمعناهم يقولون: أَما إِنْ جزاك الله خيرًا، شبهوها بأنّهُ -يعنى المفتوحة- فلما جازت إِنّ كانت هذه أَجْوَرَ». كأنه يقول: لما كثر هذا في كلامهم استغنوا عن العِوَضِ.
وأما الفِعلُ غير المتصرف فلم يحتج إلى الفصل لشبهه بالاسم في الجمود وعدم التصرف، والاسم غَيرُ محتاجٍ إِلى الفصل، فكذلك ما أشبهه.
وقوله: «قَلَيلٌ ذِكْرُ لَوْ» يَحْتَملُ وجهين من التفسير، أحدهما: أَنْ يريد أنه قليلٌ في السماع، وأن الفصل بها لم يكثر كثرة الفصل بغيرها مما تقدم. والثاني: أن يُريد أَنّ ذكر هذا الفاصِلِ قليلٌ عند النحويين، فلم يذكره منهم إلا قليل، وهو مما يُحتاج إلى ذكره، وبهذا فَسّره ابنه فقال: «وأكثر النحويِّين لم يذكُروا الفَصْلَ بين أَنْ المخفّفة وبين الفِعْلِ بلو»، قال: وإلى ذلك أشار بقوله: