«وَإِنَ يكُنْ فِعْلًا»، أى: يكن الخبر فعلًا، فدلّ على أن الجملة المتقدمة التى جعلها خبرًا من بعد أَنْ ليست الفعليّة لا تتضمّنُها، فتعيّن أنه الاسمية بهذا الاعتبار؛ إذ لا جُملة إلا اسمية أو فعليّة. ويحتملُ آخَر، وهو أن يكون المرادُ بقوله: «والخَبَر اجْعَلْ جُملة» الجملة على الإطلاق، كانت اسميةً؛ إذْ لم يُقيّدها، وإنما ألزم أن يكون الخبر جملة خاصّةً، فيكون حالها في الجواز أَعمّ من أن يقع بين أَنْ وبينها فَضْلٌ أَوْلا، فإن لَحَقِ فصلٌ فهو جائزٌ، وإن لم يلحق فكذلك، لكن الأحسنُ الفصلُ إذا كانت فعليّةً على تفصيله المذكور، كأنّه قال: يلزمُ أن يكون خَبرُها جملةً بِفَصْلٍ وغير فَصْلٍ، إلا أنّ الأحسنَ في الفعلية الفصل بشرطه. وهذا كلام مستقيم.
فمثال الفصلِ وعدمه مع الجملة الاسمية قد تقدّم، ومثالُه مع الفعلية قولُ الله تعالى: {قَالُوا: نُريدُ أَنْ نأكُلَ مِنْها وتَطْمئِنّ قُلُوبُنَا، وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} .. الآية، وقولهُ تعالى: {عَلِم أَنْ سَيَكُونُ منْكُمْ مَرْضَى}. ومثال عَدَمِ الفصل قراءةُ من قرأ: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمُّ الرّضَاعَةَ}. وقال امرؤ القيس:
وَحَدِّثْ بِأَنْ زالَتْ بِلَيْلٍ حُمُولُهمْ
كَنَخْلٍ من الأعراضِ غير منَبّقِ