وَلاَزِمٌ غيْرُ المُعَدَّى: غير المعدى لازم، واللازم يسمى قاصراً وغير مجاوز وغير واقع لما ذكرناه؛ لأن المراد به الإخبار عن حصول حدث فحسب، فلا يفتقر إلى مفعول.
........................... وَحُتِمْ ... لُزُومُ أَفْعَالِ السَّجَايَا كَنَهِمْ
وَمَا اقْتَضَى نَظَافَةً أَوْ دَنَسَا ...
كَذَا افْعَلَلَّ وَالْمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا
أَوْ عَرَضاً أَوْ طَاوَعَ المُعَدَّى ... لِوَاحِدٍ كَمَدَّهُ فَامْتدَّا
أراد أن يبين لنا مواضع الحكم على الفعل بكونه لازماً؛ لأنه قد ينظر إلى المعنى وقد ينظر إلى الوزن، باعتبار الوزن؛ كل ما كان على وزن فَعُل فهو لازم، هذا باعتبار الوزن، كل ما كان على وزن افْعَنْلَلَ: اقْعَنْسَسَا، نقول: هذا لازم، كل ما دل على طبيعة وسجية هذا باعتبار المعنى، إذاً: قد نحكم على الفعل اللازم إما باعتبار معناه وإما باعتبار وزنه.
قال هنا: وَحُتِمْ: يعني لزم.
وَحُتِمْ لُزُومُ أَفْعَالِ السَّجَايَا: السجايا جمع سجية، والمراد به: ما يلازم الفاعل بلا انفكاك، يعني صفة تقوم بالفاعل لا تنفك عنه في حال من الأحوال، طبيعة وجبلة خِلقة، لا تنفك عنه في حال من الأحوال، نقول: هذا يسمى سجية، أفعال السجايا كلها لازمة لا تتعدى.
كَنَهِمْ: مثل الناظم هنا بنهم، نهم إذا كان كثير الأكل، كثير الأكل هذا صفة لازمة، بمعنى لا يكون في الصباح قليل الأكل وفي المساء كثير الأكل، فنهم على وزن فعِل وهي صفة لازمة سجية، كونه على وزن فَعِل نرد به على من قال بأن أفعال السجايا كلها على وزن فَعُل، وهذا ليس بصحيح، بل منه ما كان على وزن فَعُل ومنه ما كان على وزن فَعِل؛ لأن القاعدة العامة في الفعل الماضي الثلاثي: أنه إما أن يكون من باب: فَعَل أو فَعِل أو فَعُل ثلاثة لا رابع لها. فَعَل بفتح العين وفَعِل بكسر العين وفَعُل بضم العين، الأكثر فَعَل ثم يليه في الرتبة فَعِل فهو أقل من فَعَل، ثم يليه في الرتبة الثالثة فَعُل، فَعُل باعتبار فَعِل قليل، فَعِل باعتبار فَعُل كثير، فَعِل باعتبار فَعَل بفتح العين قليل، فَعَل باعتبار الجميع كثير، وهو الأكثر، ولذلك أكثر الأفعال في لسان العرب لو فتحت القاموس من أوله إلى آخره تجدها على وزن فَعَل، ثم أقل منه على وزن فَعِل، ثم القليل على وزن فَعُل، هذا من حيث الصيغة، من حيث التعدي واللزوم: فعَل لكثرته في لسان العرب واستعماله، فالأكثر في الأحداث المتعلقة بين الناس أن تكون متعدية؛ لأن الأصل في الكلام إنما جيء به للإخبار والتخاطب مع بعضهم البعض، وحينئذٍ الأحداث المتعدية لما كثرت وكثر فعََل الذي هو خفيف بفتح العين، كثر فيه التعدي، فالتعدي فيه كثير، واللزوم قليل، إذاً: يأتي فَعَل لازماً ويأتي متعدياً.
فَعِل بكسر العين -الكسر ثقيل-، خف من جهة الاستعمال، ولذلك اللزوم فيه أكثر من التعدي، فَعُل لثقله بضم العين صار كله لازماً، لا يكون متعدياً البتة، إلا ما ذكره البيانيون من جعل كل فعل دال على اللزوم ينقل إلى باب فعُل، علُم وضرُب هذا يأتي في محله، حينئذٍ نقول: فعَل قسمان: متعدي ولازم، والتعدي أكثر من اللزوم. فعِل قسمان: متعدي ولازم، واللزوم فيه أكثر من التعدي. فعُل لا يكون إلا لازماً.