هذا شروع في حكم الفعل المتعدي، حكمنا على الفعل بأنه متعدي ثم ماذا؟ يبقى كما هو أم أنه يطلب ما يقتضيه؟ لا بد أن يكون له أثر، إذا كان فعلاً متعدياً لا بد أن يكون له تأثير، والتأثير إنما يطلب مفعولاً به، واحداً أو أكثر على حسب نوع الفعل.

فَانْصِبْ بِهِ: أي بالفعل المتعدي، دل على أن المفعول به يُنصب بالفعل نفسه، وهذا أرجح الأقوال، أصح الأقوال أن المفعول به منصوب بالفعل، وثَمَّ أقوال أخرى ضعيفة.

ضربت زيداً، نقول: (ضرب) هنا عمل في الفاعل الرفع، وعمل في المفعول به النصب، هذا هو الصحيح، وأما أنهما بالمفعولية أو أنهما ترافعا، الفاعل نصب المفعول والمفعول نصب .. هذه كلها أقوال اجتهادية.

والأصل في الفعل، إذا قررنا أن الأصل في العمل للفعل حينئذٍ كل ما أمكن تعليقه بالفعل فهو مقدم، هو أرجح، هذه قاعدة في الترجيح: كل ما أمكن تعليقه بالفعل وصح الكلام معه فهو أرجح، حينئذٍ وجد عندنا فعل ووجد مفعول به، ونعلم أن الضرب وهو حدث لا بد له من مكان يقع عليه. إذاً: العامل إنما يعمل ليتمم معناه، هذا معنى العمل ارتباط بين العامل والمعمول، إن قيل: عمل فيه؛ ما معنى عمل فيه؟ بمعنى: أن العامل لا يتم معناه إلا بهذا المعمول، وهذا واضح بين. ضرب زيداً، زيداً: مفعول به؛ لأن (ضرب) يحتاج إلى محل يقع عليه الحدث، فهو المفعول به، إذاً: لا نحتاج أن نقول بالفاعلية وإلى ما يذكره البعض.

فَانْصِبْ بِهِ: أي بالفعل المتعدي.

مَفْعولَهُ: أي مفعول؟ المفعول المطلق وإلا المفعول معه أو لأجله أو به؟ المفعول إذا أطلق في المنصوبات انصرف إلى المفعول به، إذا أطلق دون أن يقيد حينئذٍ انصرف إلى المفعول به، وإن سمي المفعول المطلق هناك لا باعتبار الاستعمال وإنما باعتبار القيد، لماذا سمي مفعولاً مطلقاً؟ مطلقاً عن القيد، لم يقال: مفعول به، ولم يقال: مفعول معه، أو لأجله، أو فيه، أطلق عن القيد، قيل: مفعول فقط، فيصدق حينئذٍ بهذا الاعتبار على المفعول المطلق الخاص، وأما هنا فالمراد بالمفعول المفعول به، ولذلك أطلقه الناظم.

فَانْصِبْ بِهِ مَفْعولَهُ: هذا هو الأصل، وما سمع من رفعه: خرق الثوبُ المسمارَ، خرق المسمارُ الثوبَ، فالثوب هو المفعول به، رفع: خرق الثوبُ، مرفوعاً، نقول: هذا يسمع ويحكى ولا يقاس عليه، وهو مسموع، -باتفاق أنه مسموع-، تأخذ منه فائدة: وهو أنه ليس كل ما سمع يصير فصيحاً أو يطرد معه القياس، نقول: لا، قد يسمع الشيء ويكون ثابتاً في لسان العرب لكنه لا يكون هو المستعمل، ولذلك نحكم على نوع من الألفاظ أو التراكيب بأنه شاذ، يعني: شاذ مخالف للقياس -القواعد والأصول-، وهذا يدل عليه؛ لأنه لا يقول قائل: بأنه يرفع المفعول به وينصب الفاعل كما ذكرناه سابقاً، لا، لا أحد يقول بهذا، ومع كونه سمع هل نستثنيه من القاعدة؟ نقول: لا، ليس كل ما سمع يؤصل له قاعدة أو يستثنى من أصل، بل يبقى على وصفٍ، وهو كونه شاذ، إذاً الشاذ لا بد من وجوده وهو ما انفرد، خرج عن الأصل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015