نون ساكنة تلحق الآخر لفظاً لا خطاً لغير توكيد، قوله: لفظاً هذا بيان للواقع لا للاحتراز، وقوله: لا خطاً، أي: لأن الكتابة مبنية على الابتداء والوقف، وهو يسقط وقفاً رفعاً وجراً، يسقط وقفاً، يعني: التنوين في حالة الوقف يسقط، فيقال: جاء زيد .. مررت بزيد، في حالة الرفع والجر، فحينئذٍ في حالة النصب هل يسقط أو لا؟ رأيت زيدا، في الكتابة .. نقول: في الكتابة التنوين في حالة النصب يبدل ألفاً:
وَقِفْ عَلَى المَنْصُوبِ مِنْهُ بِالأَلِفْ ... كَمِثْلِ مَا تَكْتُبُهُ لاَ يَخْتَلِفْ
فتقول: رأيت زيداً .. جاء زيد .. مررت بزيد، هذا على اللغة الفصحى المشهورة، وأما لغة ربيعة فبينهما التسوية: رأيت زيد .. جاء زيد .. مررت بزيد، إذاً: إذا قيل تثبت النون لفظاً لا خطاً حينئذٍ في المرفوع واضح أنها لا تثبت، وفي المجرور واضح أنها لا تثبت، وأما في المنصوب فالظاهر أنها ثبتت، لماذا؟ لأنك تقول: رأيت زيدا، الألف هذه بدل عن النون .. عن التنوين، فحينئذٍ هل المنفي في الحد بأنها تثبت لفظاً لا خطاً .. هل المنفي أصل النون بأن تكتب نون هكذا، أو ما يشمل بدل النون وهو الألف؟
قولان في التفسير، والمشهور: أن النفي هنا مسلط على النون أصالةً، لا على عوض النون وهو الألف؛ لأن الألف هذه صورة للألف المنقلبة عن النون، هذه حقيقتها، أنت تنطق وتكتب، والكتابة .. المرسومات هذه تكون باعتبار ماذا؟ باعتبار النطق، إذا قلت: رأيت زيداً، في نطقك أنت قلبت الألف نوناً، لما كتبتها أنت كتبت صورة الألف لا النون، فلسفة! كتبت ماذا؟ كتبت صورة الألف لا النون، وهذا حق، أنت تكتب ما تنطق به، وأنت نطقت بالألف بدلاً عن النون، فحينئذٍ كتبت صورة الألف ولم تكتب النون أو ما هو بدل عنها، وهذا جواب جيد، وقيل: المراد نفي النون أصالةً وفرعاً، يعني: عوض النون مطلقاً، حينئذٍ يرد: رأيت زيداً، قالوا: هذا قليل، هذا قليل باعتبار ماذا؟ باعتبار المرفوع والمجرور؛ لأن الكلمة إما مرفوعة وإما مجرورة وإما منصوبة، النصب الثلث، والرفع والجر ثلثان، أيهما قليل وأيهما كثير؟ ... الثلث كثير .. ، لا يأتي هنا، فحينئذٍ نقول: النصب باعتبار الرفع والجر قليل، وما كان قليلاً لا يعترض به على الأصل، والصواب، أن يقال في التعليل الأول: أن المنفي هو أصالةً وفرعاً، وأن الألف المكتوبة هذه ليست بدلاً عن النون، وإنما كتبت الألف التي نطق بها بدلاً عن النون، لا خطاً، أي: لأن الكتابة مبنية على الابتداء والوقف، وهو يسقط وقفاً رفعاً وجراً، ولما ثبت عوضه وهو الألف في الوقف نصباً كتبت الألف، والمراد باللحوق خطاً المنفي لحوقها بنفسها لا أو عوضها، هذا قوله، والصواب ما ذكرناه حتى يرد أن المنون المنصوب في الدرج لا يصدق عليه لفظاً لا خطاً؛ لأن عوضها وهو الألف لاحق خطاً.
وقوله: لغيرِ توكيد: مستدركاً لخروج نون: ((لَنَسْفَعاً)) [العلق:15] حينئذٍ بقوله: لا خطاً، وهذا على خلاف سيأتي بيانه، كذلك خرج، أو مخرج للنون اللاحقة للقوافي المطلقة التي آخرها حرف مد، عوضاً عن مدة الإطلاق في لغة تميم وقيس، ويسمى تنوين الترنم على حذف مضاف، أي: قطع الترنم؛ لأن الترنم مد الصوت بمدة تجانس الروي، ومنه: