هناك قد يُنَزَّل المتعدي مُنَزَّلَة اللازم لأغراض معنوية عندهم، وقد يُنَزَّل اللازم مُنَزَّلَة المتعدي العكس، كل منهما يجري مجرى الآخر، ولذلك قعد لها السيوطي في الأشباه والنظائر: إجراء اللازم مجرى المتعدي، قاعدة، وقعَّد أيضاً أظنه في نفس القاعدة: إجراء المتعدي مجرى اللازم، العكس: إجراء اللازم مجرى المتعدي، وإجراء المتعدي مجرى اللازم، لكن هذا ليس له علاقة من حيث الإعراب، إنما ينتفي اللازم، لا يطلب مفعولاً وإن كان في أصل الوضع هو يطلب مفعولاً: ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)) [الزمر:9] يَعْلَمُونَ الأصل فيه أنه متعدي لكن في هذا التركيب لازم، لا تقل: المفعول به محذوف أو نبحث عنه .. لا، المراد: من اتصف بصفة العلم فحسب، ليس عندنا تعدي ((هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)) أين المفعول به؟ يَعْلَمُونَ، هذا يتعدى إلى مفعول، يعرفون، أو يعلمون إذا كانت بمعنى اليقين والاعتقاد، نقول: لا، لا تقدر هذا ولا ذاك، سواء كانت بمعنى معرفة فلا مفعول لها أول، أو كانت بمعنى اعتقد فليس لها مفعولان، لماذا؟ لأنه أجري في هذا التركيب المتعدي مجرى اللازم، هل هذا المراد هنا؟ لا، ليس هذا المراد، المراد بحسب الوضع بالنظر إلى استعماله الأصلي في لسان العرب، ولذلك نقول: تَعَدِّي الفِعْلِ أي: الفعل المتعدي بنفسه بحسب الوضع؛ أما لو أجري اللازم مجرى المتعدي وإن أخذ أحكامه لكنه ليس بحسب الوضع، أو أجري المتعدي مجرى اللازم فلا مفعول له، لكن له مفعول باعتبار الوضع، كالمثال الذي ذكرناه، لأنه المراد عند الإطلاق؛ إذا أطلق المفعول المتعدي انصرف إلى هذا، لا المتعدي بحرف الجر؛ لأنه سيأتي: وَعَدِّ لاَزِماً بِحَرْفِ جَرِّ، متعدي لكنه ليس هو الذي إذا أطلق انصرف اللفظ إليه أو المعنى إليه، لماذا؟ لأن المتعدي يراد به معنىً خاص عند النحاة، وهو ما نصب مفعولاً به، ضربت زيداً، ضربت نقول: هذا فعل متعدي، وأما مررت بزيد؛ تعدى إلى المفعول، مر: يطلب مفعولاً في المعنى، ولكن لم يصل إليه بنفسه، وإنما وصل إليه بواسطة وهو حرف الجر، حينئذٍ نقول: مر؛ متعدي، كيف متعدي؟ نقول: متعدي في المعنى لأنه يطلب مفعولاً به، ووصل إليه بحرف الجر، هل هذا المراد إذا أطلق تعدي الفعل؟ لا، ليس مراداً، لا يدخل معنا ما تعدى إلى مفعوله بحرف جر.
ولا المتعدي بنفسه بواسطة إسقاط الخافض، هذا مثل اخترت القوم الرجال زيداً، اخترت الرجال زيداً، زيداً تعدى إليه بنفسه، والرجال تعدى إليه بواسطة إسقاط حرف الجر، والأصل اخترت من الرجال زيداً، اخترت من الرجال تعدى إلى أحدهما بنفسه والآخر بحرف الجر، قد يسقط حرف الجر وحينئذٍ يتعدى إليه بنفسه، فيكون الناصب له هو الفعل كما سيأتي خلافاً لمذهب الكوفيين.