((وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)) [المائدة:38]، ((الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا)) [النور:2]، ((وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا)) [المائدة:38] هل هو من باب الاشتغال أو لا؟ قرأ السبعة بالرفع فيهما -في الموضعين-، ظاهره أنه من باب زيداً وعمْراً اضرب أخاهما، زيداً وعمْراً، ((وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ)) [المائدة:38] تعدد اللفظ والمعنى واحد، إذاً: من باب الاشتغال، زيداً وعمْراً فاقطعوا أيديهما، اضرب أخاهما، إذاً: مثله، في الظاهر أنه مثله، ((الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا)) [النور:2] نقول: هذا وإن كان ظاهره من باب الاشتغال إلا أنه ليس من باب الاشتغال، فالسارق والسارقة: مبتدأ محذوف الخبر، مما يتلى عليكم حكم السارق والسارقة، مما يتلى جار ومجرور خبر مقدم، والسارق: ليس المراد السارق والسارقة، حكم السارق والسارقة، فاقطعوا: هذه جملة مستأنفة، إذاً: ليست من باب زيداً اضربه حتى تقول يجوز فيه الوجهان، والنصب أرجح. إذا قيل بأن النصب أرجح فيما إذا تلا الاسم المشغول عنه ما دل على الطلب قَبْلَ فِعْلٍ ذِي طَلَبْ، حينئذٍ يكون الأرجح هنا: والسارقَ بالنصب، ولماذا عُدل عن النصب وهو أرجح إلى الرفع؟ نقول رحمك الله: ليست المسألة من باب الاشتغال، بل التقدير: مما يتلى عليكم حكم السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، فالسارق والسارقة نقول: مبتدأ ومعطوف عليه، والخبر محذوف هو الجار والمجرور السابق مما يتلى عليكم، واقطعوا: هذه جملة مستأنفة، فَلَمْ يلزم الإخبار بالجملة الطلبية عن المبتدأ.
إذاً: فاقطعوا ليست جملة خبرية.
ولم يستقم عمل فعل من جملة في مبتدأ مخبر عنه بغيره من جملة أخرى، وهذا قول سيبويه في توجيه الآية، وذهب المبرد إلى أن (أل) موصولة بمعنى الذي، السارق (أل) هذه موصولة بمعنى الذي، وسبق معنا أن المبتدأ إذا كان فيه معنى العموم جاز ولم يجب دخول الفاء في الخبر، جاز دخول الفاء في الخبر، هي فاء السببية.
الذي يأتيني فله درهم، مر معنا، الذي يأتيني: هذا مبتدأ، الذي يأتيني صلة الموصول، الفاء هذه سببية رابطة، شبِّه لما في معنى الجملة من الشرط بجملة الشرط، كأنه قال: من يأتيني له درهم، نفس المعنى، شبه به فأدخلت الفاء على الخبر، فله درهم: الجملة مبتدأ وخبر في محل رفع، الفاء هذه سببية، لا يعمل ما بعدها في ما قبلها.
((وَالسَّارِقُ)) مثل الذي، (أل) هذه موصولة، و (أل) الموصولة من صيغ العموم.
صِيَغُهُ كُلٌ أَو الجَمِيعُ ... وقَد تَلاَ الَّذِي الَّتِي الفُرُوعُ
السارق الذي يسرق والتي تسرق فاقطعوا أيديهما، الفاء هذه سببية، وسبق أن فاء السببة لا يعمل ما بعدها في ما قبلها، على هذا التوجيه قول المبرد .. إذاً: المثال هذا داخل في الاشتغال على من جوّز أن مسألة وجوب الرفع من باب الاشتغال، لأنه وجب الرفع هنا, والسارق واجب الرفع، لماذا وجب الرفع؟
كَذَا إِذَا الْفِعْلُ تَلاَ مَا لَمْ يَرِدْ ... مَا قَبْلُ مَعْمُولاً لِمَا بَعْدُ وُجِدْ