لَمْ يَرِدْ مَا: لم يرد ما قبله معمولاً لما بعده، وهذه قلنا اثنا عشر نوعاً: كفاء السببية ولام الابتداء وأدوات الشرط والتحضيض وأدوات الاستفهام .. هذه كلها لا يعمل ما بعدها في ما قبلها، قد يقول قائل: إذا لا يعمل ما بعدها في ما قبلها ننصبه ونقدر له عامل محذوف، إذا قيل: زيداً هل ضربته؛ نقول: هنا لا يصح نصب زيد، لأنه وقع بعده أداة وهو (هل) وما بعد (هل) وهو ضرب لا يعمل في ما قبله.
إذاً لو قيل: زيد هل ضربتَ، ضربت بإسقاط الهاء؛ هل يتسلط ضرب على زيد الذي هو قبل (هل)؟ نقول: لا يتسلط أبداً، وحينئذٍ يتعين رفعه ولا يجوز نصبه، فإذا قيل: زيداً هل ضربته؟ نقول: هذا العامل المتأخر لم يعمل في السابق لوجود الحائل والمانع بينهما، إذا لم يعمل حينئذٍ يمتنع أن يفسَّر العامل المحذوف بالعامل المذكور؛ لأننا قلنا:
فَالسَّابِقَ انْصِبْهُ بِفعْلٍ أُضْمِرَا ... حَتْماً مُوَافِقٍ لِمَا قَدْ أُظْهِرَا
زيداً هل ضربته؟ زيداً بماذا نفسره؟ يمتنع أن يكون ضرب الثاني مفسِّر للسابق؛ لأن ما لا يعمل لا يفسر، حينئذٍ بقي مقطوعاً، وإذا بقي مقطوعاً يحتاج إلى أن يدل دليل على المحذوف، لأنه لا يصح حذف العامل إلا بدليل، وسيأتي: وَيُحْذَفُ النَّاصِبُهَا إِنْ عُلِما
إِنْ عُلِما: يعني الناصب للفضلة يجوز حذفه بشرط: إن عُلِما، يعني: إن دل عليه دليل، فإن لم يدل عليه دليل حينئذٍ لا يجوز الحذف، فإذا قيل: زيداً هل ضربته، زيداً نقول: هذا عامل لمعمول محذوف، ما الذي دل عليه وهو واجب الحذف؟ لم يدل عليه شيء فامتنع النصب.
كَذَا إِذَا الْفِعْلُ تَلاَ مَا لَمْ يَرِدْ ... مَا قَبْلُ مَعْمُولاً لِمَا بَعْدُ وُجِدْ
لِمَا وُجِدْ بَعْدُ.
إذاً: مسائل الرفع -وجوب الرفع- ثنتان، ووجوب النصب واحدة.