قال الرضي: ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها إلا مع أما، لكونها في غير محلها لأنه يرد إشكال: قام زيد وأما عمرو فأكرمه، وأما عمراً فأكرمه بالنصب، قلنا: الفاء هذه سببية، أو الواقعة في جواب الشرط، وكلاهما على هذا أو ذاك لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، فكيف حينئذٍ نقول: وأما عمراً بالنصب؟ نقول: فاء السببية أو الشرطية الواقعة في جواب الشرط لا يعمل ما بعدها فيما قبلها إذا وقعت في محلها، وأما إذا لم تقع في محلها كهذا المثال حينئذٍ نقول: خرجت عن هذا الضابط؛ لأن الأصل في الفاء أن تلي (أما)، هذا الأصل فيها، فحينئذٍ إذا زحلقت لتحسين اللفظ قيل: هذه لا تمنع أن يعمل ما بعدها فيما قبلها، ولذلك قال الرضي: ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها إلا مع (أما) لكونها في غير محلها، أو إذا كانت زائدة، فإن لم يكن كذلك فالرفع أجود، لأن الكلام بعد (أما) مستأنف مقطوع عما قبله.
إذاً قول الناظم: وَبَعْدَ عَاطِفٍ بِلاَ فَصْلٍ هذا احتراز مما إذا فصل بين الواو والاسم المتقدم (أما)، حينئذٍ يترجح الرفع، فتقول: قام زيد وأما عمرو أكرمته، إذا وجد مرجح للنصب للاسم الواقع بعد (أما) حينئذٍ نقول: يترجح النصب على الرفع، قام زيد وأما عمراً فأكرمه، إذاً: وجد مرجح للنصب على الرفع. يرد إشكال: كيف يفسَّر العامل المتقدم في عمراً والعامل المتأخر قد وقع بعد فاء السببية أو فاء واقعة في جواب الشرط؟ نقول: هذه ليست في محلها، وحينئذٍ نقول: إذا حكمنا بكونها ليست في محلها لا يعطى حكمها الأصلي، أو نحكم عليها بأنها زائدة.
بِلاَ فَصْلٍ عَلَى مَعْمُولِ فِعْلٍ: احترز به من العطف على جملة ذات وجهين، وهذا سيأتي أنه يجوز فيها الوجهان، والجملة ذات الوجهين هي ما كانت جملة اسمية وخبرها جملة فعلية، زيد قام أبوه، هذا سيأتي فيما يجوز فيه الوجهان.
والذي معنا الآن: قام زيد، جملة فعلية بحتة، ولذلك قال: عَلَى مَعْمُولِ فِعْلٍ مُسْتَقِرٍّ، يعني: غير مبني على اسم، متأصل، ليس متمماً لغيره، بخلاف: زيد قام أبوه، لو عطف على قام أبوه نقول: هذا غير مستقر، لماذا؟ لأنه بني على اسم قبله، لأنه جُعل خبراً لمبتدأ، وأما: قام زيد وعمرو نقول: هذه قام زيد ليس مبنياً على سابق، بل هو مستقر، يعني متأصل لوحده.
أَوَّلاَ: يعني سابق فلم يسبقه شيء.
وَبَعْدَ عَاطِفٍ بِلاَ فَصْلٍ عَلَى ... مَعْمُولِ فِعْلٍ مُسْتَقِرٍّ أَوَّلاَ
أَوَّلاَ: هذا ظرف متعلق بمستقر، احترز به من العطف على جملة ذات وجهين أي: معطوفاً على جملة مصدرة بالفعل، هذا المقصود هنا، جملة مصدرة بالفعل.
فِعْلٍ مُسْتَقِرٍّ أَوَّلاَ: الفعل هو الأول وليس محمولاً على غيره، بخلاف زيد قام أبوه، فليست من هذه المسألة كما سيأتي.
قال الشارح: وكذلك يُختار النصب إذا وقع الاسم المشتغل عنه بعد عاطف تقدمته جملة فعلية.
إذاً قول الناظم هنا: على معمول فيه تجوّز، فيه تساهل، وإلا الأصل: على جملة معمول؛ لأنك إذا عطفت عمرو هل تعطفه على قام زيد أو على زيد فقط؟ على قام زيد، ليس على زيد فحسب، لماذا؟ لأننا رجحنا النصب لتوافق المعطوف والمعطوف عليه، تعطف جملة على جملة، لو رفعت لعطفت جملة اسمية على فعلية.