فَالسَّابِقَ انْصِبْهُ: يعني: الاسم المتقدم انصبه وجوباً أو راجحاً مع جواز الرفع أو مرجوحاً مع ترجيح الرفع أو مستوياً, هذه أربعة أحوال داخلة في قوله: فانصبه؛ لأن أحوال الاسم المتقدم خمسة كما سيأتي, وبقي الرفع والظاهر أن الناظم أسقطه, قد يكون عمداً لأنه ليس من باب الاشتغال, وقد يقال بأنه نص على النصب لأن الأصل في الاشتغال هو النصب, هو الأصل, حينئذٍ ذكر الأصل وبقي الرفع وهو فرع, ولو وجب الرفع فيكون من باب الفرعية.

فَالسَّابِقَ يعني: الاسم السابق, الفاء واقعة في جواب الشرط, فَالسَّابِقَ انْصِبْهُ, انْصِبْهُ إما كما ذكرنا، انْصِبْهُ للأمر وللإباحة, مقابلة للمنع الصادقة بالإيجاب, إما وجوباً فيما إذا تعين نصبه, وإما جوازاً راجحاً, وإما جوازاً مرجوحاً, وإما مستوياً, يعني يجوز فيه الوجهان, وترك الرفع عمداً أو لأنه سيأتي ذكره فيما سينص عليه من الأحوال الخمسة, ولذلك السيوطي قدره, فالسابق ارفعه على الابتداء أو انصبه ليدخل هذه الحالة الخامسة, ولكن لا نحتاج إلى هذا.

انصبه بماذا؟ قال: بِفعْلٍ أُضْمِرَا فعل مضمر يعني محذوف وهذا الفعل المحذوف قد يكون محذوفاً على جهة الوجوب وقد يكون محذوفاً على جهة الجواز، والمختار أنه لفعل محذوف وجوباً, ثم إذا حذفناه وجوباً ماذا نفسره؟ بأي دليل؟ نقول: أحسن ما يحال عليه في القرينة هو اللفظ المذكور بعد, يعني: يفسره العامل المذكور في الجملة (زيداً ضربته) فنقول: زيداً هذا انصبه, إن نصبته تنصبه بفعل محذوف وجوباً تقديره ضربت, من أين أخذته؟ من ضربته الذي هو عمل في العامل المشغول بالضمير العائد على الاسم المتقدم, ضربت زيداً ضربته, هذا التقدير (ضربت زيداً ضربته) فالحذف واجب, والتقدير يكون مُوَافِقٍ لِمَا قَدْ أُظْهِرَا ولذلك قال: حَتْماً مُوَافِقٍ ذلك الفعل المضمر لِمَا يعني: للفعل الذي قَدْ أُظْهِرَا, إما لفظاً ومعنىً, وإما معنى.

إذاً: باب الاشتغال أن يتقدم اسم وهذا الاسم له شروط ذكرناها ويتأخر عنه فعل, هذا الفعل يعمل في ضمير يعود على الاسم المتقدم, لو أسقط هذا الضمير لتسلط هذا العامل على الاسم المتقدم فنصبه على أنه مفعول له, فإن لم يصح أن ينصب على أنه مفعول له خرج من باب الاشتغال, ولذلك سيأتي أن وجوب الرفع ليس من باب الاشتغال على الصحيح, وإنما تذكر من باب تتميم القسمة فحسب, فكل ما وجد فيه هذا الضابط حينئذٍ قلنا هذا من باب الاشتغال, متى؟ إذا حذف الضمير حينئذٍ إذا صح أن يتسلط العامل على الاسم المتقدم فينصبه على أنه مفعول به له صح أنه من باب الاشتغال, فإن لم يصح نصبه على أنه مفعول له خرج من باب الاشتغال, ولذلك إذا تعين رفعه قلنا: ليس من باب الاشتغال في شيء؛ لأن باب الاشتغال الأصل فيه النصب, لابد أن ينصب ولو كان راجحاً أو مرجوحاً حينئذٍ نقول لا بد من أن ينصب فإذا تعين الرفع خرج عن أصل الباب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015