هنا إشكال في الاستدلال بهذا البيت، نحن نقول: إذا أسند الفعل إلى مثنى، وحينئذٍ: قَدْ أَسْلَمَاهُ مُبْعَدٌ، وحميم هذا ليس فاعلاً اصطلاحاً، أَسْلَمَاهُ مُبْعَدٌ كأنه قال: قام زيد، حينئذٍ أسند إلى مفرد، والنحاة إنما يذكرون إذا أسند الفعل إلى مثنىً، هل مرادهم المثنى الاصطلاحي أو ما هو أعم من ذلك؟ لا، مرادهم الاصطلاحي، مراد النحاة المثنى الاصطلاحي، لكن إذا استدلوا على هذه اللغة أتوا بهذا البيت: أَسْلَمَاهُ مُبْعَدٌ، وهذا فيه إشكال من حيث إن الفعل مسند إلى مفرد.

وأما من حيث المعنى فحينئذٍ المعطوف والمعطوف عليه في قوة الاثنين، ولذلك قلنا: أصل المثنى الزيدان جاء زيد وزيد، هذا الأصل، فاختصاراً قيل الزيدان؛ لما ذكرناه سابقاً.

أَسْلَمَاهُ مُبْعَدٌ، وحينئذٍ ألحق بالفعل علامة تدل على التثنية، والفاعل مركب من جهة المعنى لا من جهة الاصطلاح، وحينئذٍ إذا أسند الفعل إلى مثنىً اصطلاحاً أو معنىً ألحقت هذه اللغة بالفعل علامة تثنية، ليس خاصاً بالمثنى فقط، لاِثْنَيْنِ قال: لاِثْنَيْنِ، المراد المثنى هذا الذي عليه أكثر الشراح وكتب النحو، ولذلك يمثلون: قام الزيدان، وأما أَسْلَمَاهُ مُبْعَدٌ وَحَمِيمُ فليس مطابقاً لما ذكر.

تَوَلَّى قِتَالَ المَارِقِينَ بِنَفْسِهِ ... وَقَدْ أَسْلَمَاهُ مُبْعَدٌ وَحَمِيمُ

(يَلُومُونَنيِ فيِ اشْتِراءِ النَّخِيلِ أَهْلىِ ... ) يلومونني: الواو هذه علامة جمع، وأَهْلىِ هو الفاعل، حرف يدل على الجمع.

(رَأَيْنَ الْغَوَانِي ... )، رَأَيْنَ النون هذه نون الإناث، والْغَوَانِي: هذا فاعل، حرف يدل على جمع الإناث.

قال: فـ: مُبْعَدٌ وَحَمِيمُ مرفوعان بقوله: أَسْلَمَاهُ، وهذا يدل على ما ذكرناه، وإن كان أكثر النحاة على غير ذلك.

مُبْعَدٌ وَحَمِيمُ: مرفوعان بقوله: أَسْلَمَاهُ، ليس هو فاعل اصطلاحاً، وإنما الأول مرفوع بـ: أسلما، والثاني معطوف عليه، وفي المعنى هو فاعل، كما قلنا في باب ضارب، قلنا: أحدهما فاعل اصطلاحاً والثاني فاعل معنىً لغةً، ضارب زيد عمراً، هذه تدل على المفاعلة مشاركة، ضارب زيد عمراً، المشاركة تقتضي أن كلاً من زيد وعمرو ضارب ومضروب، ما تقع المضاربة إلا هكذا، ضارب زيد فزيد هذا فاعل اصطلاحاً، وهو مفعول لأنه وقع عليه شيء من الضرب، وعمراً هذا مفعول وقع عليه وهو ضارب أيضاً، إذاً كلاً منهما إما فاعل اصطلاحاً وهو مفعول به في المعنى، وكذلك قد يكون مفعولاً به في الاصطلاح وهو فاعل في المعنى، هذا مثله: مُبْعَدٌ وَحَمِيمُ كلاهما فاعل، لكن لغة ليس اصطلاحاً، وأما الاصطلاح فهو خاص بالأول.

وإنما قال: وَالْفِعْلُ لِلظَّاهِرِ بَعْدُ مُسْنَدُ لينبه على أن مثل هذا التركيب إنما يكون قليلاً إذا جعلت الفعل مسنداً إلى الظاهر الذي بعده، وأما إذا جعلته مسنداً إلى المتصل به من الألف والواو والنون وجعلت الظاهر مبتدأ أو بدل من الضمير فلا يكون ذلك قليلاً بل هو مشهور.

وَيَرْفَعُ الْفَاعِلَ فِعْلٌ أُضْمِرَا ... كَمِثْلِ: زَيْدٌ فِي جَوَابِ: مَنْ قَرَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015