وَخُبِّرْتُ سَوْدَاءَ الْغَمِيمِ مَرِيضَةً: خُبِّرْتُ سَوْدَاءَ، هنا على معنى الباء، خبرت بأن سوداء. خُبِّرْتُ سَوْدَاءَ الْغَمِيمِ مَرِيضَةً، خُبِّرْتُ نائب فاعل للتاء، وسَوْدَاءَ هذا مفعول ثاني ومَرِيضَةً مفعول ثالث. وإنما قال المصنف: ووَكَأرَى السَّابِقِ؛ لأنه تقدم في هذا الباب أن أرى تارة تتعدى إلى ثلاثة مفاعيل، وتارة تتعدى إلى اثنين، وكان قد ذكر أولاً أرى المتعدية إلى ثلاثة فنبه على أن هذه الأفعال الخمسة مثل: أرى السابقة وهي المتعدية إلى ثلاثة لا مثل أرى المتأخرة وهي المتعدية إلى اثنين.
اَلْفَاعِلُ
لما أنهى المبتدأ وما يتعلق به من النواسخ، شرع في ذكر الأصل الثاني في باب المرفوعات، هو عمدة، كما أن الشأن في المبتدأ أنه عمدة وهو مرفوع، ولذلك سبق الخلاف أي: النوعين يقدم؟ منهم من قدم المبتدأ؛ لأنه أصل للفاعل، ومنهم من عكس؛ لأن الفاعل أصل للمبتدأ: ((وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا)) [البقرة:148].
اَلْفَاعِلُ: يعني: هذا باب بيان الفاعل، الفاعل في اللغة هو من أوجد الفعل، فهو أعم من الفاعل اصطلاحاً عند النحاة؛ لأن العلاقة دائماً بين المعنى الاصطلاحي والمعنى اللغوي العموم والخصوص المطلق، فكل فاعل اصطلاحي هو فاعل لغوي ولا عكس؛ لأن كل من أوجد الحدث فهو فاعل: زيدٌ قائمٌ، قائمٌ هذا حدث اسم فاعل، من الذي أوجده؟ زيد، إذاً: هو فاعل، فاعل في المعنى وهو صحيح، لكنه لا يسمى عند النحاة فاعلاً؛ لأن لهم شروطاً لابد من اعتبارها، واصطلاحاً خاص ولا مشاحة في الاصطلاح، حينئذٍ نقول: ما الفاعل عند النحاة وماذا أراد المصنف هنا بالفاعل، هل كل من أوجد الفعل –الحدث-؟ لا، إنما أراد نوعاً أخص من مطلق الفاعل عند اللغويين.
والمراد به عنده أن الفاعل: هو اسم صريح أو مؤول بالصريح، أسند إليه فعل أو مؤول به، مقدم عليه بالأصالة؛ واقعاً منه أو قائماً به، هذه كلها قيود، اسم صريح أو مؤول بالصريح، أسند إليه فعل، بعضهم يزيد: فعل تام، أو مؤول به مقدم عليه بالأصالة واقعاً منه أو قائماً بهه.
قوله: اسم، إذاً: الفاعل لا يكون إلا اسماً، ولذلك سبق معنا أن من علامات الأسماء كونها فاعلة، فإذا حكمت على الشيء بأنه فاعل، فاحكم عليه بأنه اسم، إذاً: كل فاعل اسم ولا عكس، فأخرج بقوله (اسم) الحرفَ، فلا يكون فاعلاً إذا قُصد معناه، وأما إذا قصد لفظه فيجوز أن يكون فاعلاً، فلذلك تقول: دخلت (قد) على الفعل، (قد) هنا فاعل هي حرف في الأصل، نعربها فاعل، دخلت السين، دخلت الباء، الباء هي اسم والسين اسم، دخلت سوف، نقول: هذا حرف في الأصل، لكنه صار علماً، حينئذٍ صار فاعلاً. إذاً: دخلت قد:
وَالفِعلُ مَا يَدخُلُ قَدْ والسّينُ ... عَليهِ مِثلُ بَانَ أَو يَبِينُ
هكذا قال الحريري.