إِلَى ثَلاَثَةٍ رَأَى وَعَلِمَا: قال في الترجمة: أعْلَمَ وَأَرَى، ولما ذكر: إِلَى ثَلاَثَةٍ، قال: (رَأَى وَعَلِمَا)، قدم رأى على علم، هل هذا مقصود أم أنه هكذا اتفاقاً؟ في بعض النسخ الترجمة: (أَرَى وَأعْلَمَ)، حينئذٍ لا خلاف، رجحها بعضهم بناءً على ما ذكره في البيت: (إِلَى ثَلاَثَةٍ رَأَى وَعَلِمَا)، إذاً: النسخة التي فيها الترجمة: تقديم أرى على أعلم لا إشكال فيها، وأما هذه: (أعلم وأرى) ثم قال: (إِلَى ثَلاَثَةٍ رَأَى وَعَلِمَا)، حينئذٍ نقول: لعله من باب الاتفاق فحسب، يعني: ليس مقصوداً، إلا إذا جُعل أن الأصل في الترجمة أعلم وحملت عليها رأى كما سبق، وهي:
وَلِرَأَى الرُّؤْيَا انْمِ مَا لِعَلِمَا ... طَالِبَ مَفْعُولَيْنِ.
إذاً: ألحقت رأى الحلمية بعلم لجامع أن كلاً منهما إدراك أو حسن باطن، إذاً: حملت رأى التي بمعنى الرؤيا على علِم بجامع، حينئذٍ أيهما أصل وأيهما فرع؟
أعلم -صارت علم بدون همز- علم نقول: هذه أصل، ورأى الحلمية هذه فرع، حينئذٍ قدم الأصل على الفرع.
ثم قال: إِلَى ثَلاَثَةٍ رَأَى وَعَلِمَا: لم يجعل ثم فارقاً بين اللفظين.
عَدّوْا إِذَا صَارَا أَرَى وَأَعْلَمَا: عَدّوْا إِلَى ثَلاَثَةٍ، إِلَى ثَلاَثَةٍ: هذا جار ومجرور متعلق بقوله: عَدّوْا، من الذي عدَّى؟ العرب، نطقت بها متعدية بهذا اللفظ إلى ثلاثة مفاعيل، أو النحاة حكموا بصحة تعدية هذه الأفعال إلى ثلاثة مفاعيل، فيجوز في مثل هذه التراكيب أن يفسر الضمير بالنحاة أو بالعرب، إلا إذا لم يصلح أن يفسر به النحاة حينئذٍ يحمل على العرب، كما سبق: وَاسْتَعْمَلُوا مُضَارِعاً لأَوْشَكَا، ليس النحاة هم الذين استعملوا؛ لأن الاستعمال صفة للناطق الأصلي، حينئذٍ يتعين أن يقال: اسْتَعْمَلُوا يعني العرب ولا يفسر بالنحاة، أما حكموا ورفعوا ونحو ذلك، فيجوز فيه الوجهان.
عَدّوْا: أي العرب أو النحاة، عَدّوْا رَأَى وَعَلِمَا، هذا مفعول مقدم، المتعديين إلى مفعولين؛ وذلك علم إذا كانت بمعنى اليقين أو الظن لا علم العرفانية، وهذا هو الأصل فيها، ورأى إذا كانت حلمية، العرب عدت هذه المفاعيل إلى ثلاثة، متى؟ إِذَا صَارَا -إذا دخلت عليهما همزة النقل وصارا- أَرَى وَأَعْلَمَا، إذاً: رأى وعلم هما الأصل، تدخل عليهما همزة النقل، حينئذٍ تصير الفعلين يتعديان إلى ثلاثة مفاعيل، حينئذٍ المفعول الأول هو الفاعل، والمفعول الثاني والثالث هما مفعولا علم الأصل -هذا الأصل-، علمت زيداً قائماً، زيداً قائماً مفعولا علم، إذا أدخلت عليه همزة، قلت: أعلمتُ-مثلاً- محمداً زيداً قائماً، أعلمتُ هذا لابد أن تسندها إلى فاعل وهو المتكلم، الفاعل الذي هو: علم زيدٌ بكراً قائماً، علم: فعل ماضي وزيدٌ: فاعله، وبكراً: مفعول أول، وقائماً: مفعول ثاني، إذا قلت: أعلمت زيداً بكراً قائماً، حينئذٍ علم زيد –الفاعل- نصب على أنه مفعول أول، وبكراً المفعول الأول في علم صار مفعولاً ثانياً في باب أعلم، وقائماً صار هو المفعول الثالث.