بقي حالة واحدة وهي محل نزاع بين النحاة، هل هي من قبيل الابتداء أو لا؛ فيما إذا تقدم على الفعل شيء ولا يبتدأ به، وإنما يتقدم عليه شيء من متعلقات الفعل: متى ظننتَ زيداً قائماً؟ هل يشترط في الابتداء أن لا يتقدم عليه شيءٌ البتة ولا حرف ولا حرفان، أم المراد أنه قد يتقدم عليه شيء وقد لا يكون له علاقة بما بعده؟ هذا محل نزاع، ما المراد بالابتداء هنا؟ قيل: الابتداء المراد به أن لا يتقدم عليه شيء البتة، فإن تقدم عليه أي لفظ حينئذٍ صار من باب جواز الإلغاء، لم يكن مبتدأً به، أو يراد بالابتداء: ابتداء الجملة في نفسها، فحينئذٍ: متى ظننتَ زيداً قائماً؟ زيداً قائماً نقول: الأصل أنه لم يتعلق به شيء، ولكن لما تقدم عليه اسم الاستفهام (متى) هل أخرجها عن كونها مبتدأً بها أو لا؟ هذا محل نزاع والأكثرون على أنه ليس مما يجوز فيه الإلغاء، بل يجب فيه الإعمال، ولكن ابن هشام رحمه الله تعالى يرى أنه داخل في الإلغاء، يعني: يجوز فيه الإلغاء، ويجوز فيه الإعمال والإعمال أرجح، لأنه باقٍ على أصله، ولكن تقدم عليه شيء، فمتى ظننتَ زيداً قائماً، هل هو مبتدأٌ به أو لا؟ نقول: هنا في اللفظ ليس مبتدأ به، لكن في الجملة نعم، هو مبتدأ لم يتقدم عليه لا مفعول أول، ولم يتأخر عن المفعولين، وأما زيدٌ ظننتُ قائمٌ لا شك أنه لم يبتدأ به الجملة نفسها، وزيدٌ قائمٌ ظننتُ لا شك أنه لم يبتدأ به الجملة نفسها، لكن ظننتُ زيداً قائماً، لم يتقدم عليه شيء من متعلقات ظن، فهل تقدم لفظ آخر ليس متعلقاً بظن من حيث العمل -مفعول أول ومفعول ثاني-، هل يخرجه عن كونه مبتدأ به أو لا؟ محل نزاع.

إذاً: قوله: وَجَوِّزِ الإِلْغَاءَ لاَ فِي الابْتِدَا، لاَ فِي الابْتِدَا بأن لم يسبقه شيء البتة، فحينئذٍ يصدق على هذه الصور الثلاثة: زيدٌ ظننتُ قائمٌ، وزيدٌ قائمٌ ظننتُ ومتى ظننتَ زيدٌ قائمٌ، هذا ظاهر كلام ابن مالك رحمه الله تعالى، ولذلك حمله على هذا في التوضيح ابن هشام أنه أدخل الصورة الثالثة بهذا، وبأن مراده بالابتداء أن لا يسبقه شيء البتة ولا حرف، فإن سبقه شيء حينئذٍ خرج عن كونه مبتدأً به وجاز فيه الإلغاء والإهمال، إلا أن الصورة الأخيرة هذه الإعمال أرجح من الإهمال.

إذاً: وَجَوِّزِ الإِلْغَاءَ لاَ فِي الابْتِدَا، يعني: لا في حال الابتداء، ولم يتعرض الناظم هنا للأرجح منها وقد ذكرناه، فإن جاء في لسان العرب ما ظاهره أنه يجب فيه الإعمال، وذلك فيما إذا ابتدئ بالفعل: ظننتُ زيداً قائماً، لو جاء في لسان العرب ما ظاهره الإهمال، حينئذٍ وجب التأويل، ولا نقول: ظننتُ زيدٌ قائمٌ يجوز فيه الوجهان الإلغاء وعدمه، نقول: لا، لابد من التأويل، خلافاً لمذهب الكوفيين المجوزين أنه يجوز عند التقدم يعني: الابتداء بالفعل الإلغاء والإعمال.

......................... ... وَانْوِ ضَمِيرَ الشَّأَنِ أَوْ لاَمَ ابْتِدَا

..........................

فِي مُوهِمٍ إِلْغَاءَ مَا تَقَدَّمَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015