وإن كانت بتقدير اسم مفرد، -اسم مفرد للطول-، ولجيران الخبر والمخبر عنه بالذكر في الصلة، يعني: الذي جعل وسوغ أن تقوم (أنْ) وتسد مسد مفعولي (ظنَّ) هو وجود اسمها وخبرها: أن زيداً قائماً، ظننت زيداً قائماً، كأنه موجود، الخبر والمخبر عنه يعني: في باب (أنّ) من جهة المعنى هذا موجود في: ظننت زيداً قائماً، والذي سوغ أن تقوم (أنّ) وتسد مسد المفعولين ذكر المخبر والمخبر عنه في معموليها في الصلة نفسها، ما الفرق بين ظننت زيداً قائماً، وظننت أن زيداً قائماً، زيد موجود في الذكر، وكذلك قائمٌ موجود في الذكر، هذا الذي سوغ مجيء (أنّ) وسدها مسد مفعولي ظن، ثم لا حذف فيه عند سيبويه، ظننت أن زيداً قائماً ليس فيه حذف، وهذا الذي عليه الجمهور، وذهب الأخفش والمبرِّد إلى أن الخبر محذوف، يعني: في قولنا: ظننت أن زيداً قائمٌ، عند الأخفش والمبرِّد ثم محذوف، ظننت أن زيداً قائمٌ ثابتٌ أو مستقر، هذا فيه تكلُّف، لماذا؟ لأننا لا نحتاج إلى هذا التركيب، المعنى حاصل، والإفادة تامة بوجود أنَّ زيداً قائمٌ، وإذا حصلت حينئذٍ لا نحتاج إلى التقدير، ولا ندعي أن ثم محذوفاً حذف ثم بعد ذلك أقيمت (أنّ) مقامه، وكذا يسد عنها (أنْ) وصلتها نحو: ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا)) [العنكبوت:2]، حسب قلنا: هذه تتعدى إلى مفعولين: ((أَحَسِبَ النَّاسُ)) هذا فاعلها، ((أَنْ يُتْرَكُوا))؛ أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، فنقول: سدت مسد معمولي حسب، إذاً: يقوم مقام المفعولين (أنّ) المشددة ومعمولها، وكذلك (أنْ) المصدرية والفعل المضارع، وقلنا فيما سبق أن هذه تعتبر من الموصولات الحرفية، فقط هذان النوعان، وما عداهما لا، والذي سوغ سد (أنّ) المثقلة و (أنْ) وجود المخبر عنه في نفس الصلة، هذا الذي سوغ ذلك، فـ ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا))، لتضمن مسند أو مسند إليه مصرح بهما في الصلة: ((أَنْ يُتْرَكُوا)) فيه مسند ومسند إليه، إذاً: هو في قوة المفعول الأول والمفعول الثاني لحسب، حكم هذين المفعولين بالتقديم والتأخير كما لو كانا قبل دخول هذه الأفعال، بمعنى أن الحكم للأصل مبتدأ وخبر، كل ما جاز هناك جاز هنا، وكل ما امتنع هناك امتنع هنا، حينئذٍ تقول: ظننت في الدار صاحبها، أين المفعول الأول؟ صاحبها، المفعول الثاني؟ في الدار، ما حكم تقدم المفعول الثاني على المفعول الأول؟ واجب، الأحكام نفسها، كل ما كان هناك جائز فهو جائز هنا، إذاً: حكم هذين المفعولين بالتقديم والتأخير كما لو كانا قبل دخول هذه الأفعال، والأصل تقديم المفعول الأول وتأخير الثاني، ويجوز عكسه، وقد يجب الأصل، نحو ظننت زيداً صديقك هذا واجب على رأي ابن مالك:
فَامْنَعْهُ حِيْنَ يَسْتَوِى الْجُزْءَانِ ... عُرْفَاً .. الشاهد هنا عُرْفَاً، إذا استويا معرفة امتنع تقديم الثاني على الأول، ظننت زيداً صديقك كل منهما معرفة، لو قلت: زيدٌ صديقك امتنع تقديم الثاني على الأول -التزم الأول يكون مقدم والثاني متأخر-، وقد يجب خلافه في نحو: ما ظننت زيداً إلا بخيلاً، أين الأول؟ فكُّ الجملة: ما زيدٌ إلا بخيلٌ أين الخبر؟