إذاً: هَبْ التي لا تتصرف وهي ملازمة لفعل الأمر، هب التي بمعنى ظُنَّ وهي من أفعال القلوب، وأما الهبة نقول: هب زيداً مالاً، ((وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ)) [الأنعام:84] تعدت إلى واحد ((وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ))، ((يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا)) [الشورى:49] يَهَبْ: هذا فعل مضارع، كيف نقول: لا تتصرف؟ نقول: هذه يهب من الهبة وليس من الظن. ((هَبْ لِي حُكْمًا)) إذاً: هب نقول: تأتي بمعنى ظَن وحينئذٍ يفسر بـ (ظُنَّ) ليس ظَنَّ، هب؛ لأنه ملازم لفعل الأمر حينئذٍ تقول: ظُن. ونبه المصنف بقوله: أَعْنِى رَأَى؛ على أن أفعال القلوب منها ما ينصب مفعولين وهو رأى، وما بعده مما ذكره المصنف في هذا الباب، ومنها ما ليس كذلك وهو قسمان: لازم ومتعد إلى واحد، وفصلناه فيما سبق أشهر المعاني التي وردت فيها، هذا هو النوع الأول من أنواع أفعال القلوب، أو من نوعي (ظن وأخواتها)، وحينئذٍ أفعال القلوب وأفعال التصيير، وأفعال القلوب قسمان: منها ما يدل على اليقين، ومنها ما يدل على الرجحان، هذا من جهة العموم وإلا عند التفصيل فهي أربعة:
النوع الأول: ما يفيد في الخبر يقيناً، -يعني أفعال اليقين ولا يحتمل غيره- ما يفيد في الخبر يقيناً وهو ثلاثة: وجد وتعلم ودرى.
ثانياً: ما يفيد فيه رجحاناً وهو خمسة: جعل وحجا وعد وزعم وهب.
ثالثاً: ما يرد للأمرين: اليقين والرجحان، والغالب كونه لليقين، يرد للأمرين والغالب فيه أنه لليقين وهو اثنان: رأى وعلم.
رابعاً: ما يرد لهما، والغالب كونه للرجحان وهو ثلاثة: ظن وخال وحسب.
وأما أفعال التحويل والتي عناها المصنف بقوله:
وَالَّتِي كَصَيَّرا
يعني: مثل صَيَّرا، مثل صار، صار تدل على تحويل الشيء من حال إلى حال، إما تحويل ذاتي وإما تحويل صفة، التحويل من شيء إلى شيء إما أن يكون تحويل من ذات إلى ذات، تقول: صيرت الخشب باباً، تحويل من ذات إلى ذات، صار زيد عالماً وصيرت الجاهل عالماً؛ تحويل صفة، إذاً: يعم الأمرين.
وَالَّتِي كَصَيَّرا: المراد بها أفعال التصيير، هذه تتعدى إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، حينئذٍ إذا قيل: أفعال التصيير هل تدخل تحت باب (ظن وأخواتها) نقول: هذا شأنه كشأن أفعال المقاربة، إذا قيل: إنه من تسمية الكل باسم البعض، وهنا كذلك لأنها ليست أفعال قلوب.
وعدها بعضهم سبعة وإن تركها الناظم إحالة على الموقِف لقلتها، ليست كالنوع الأول.
صَيَّرا: صيرت الطين خزفاً، الطين خزفٌ، هكذا؟ مبتدأ وخبر، هذا باعتبار ما يؤول إليه، وحينئذٍ لا بد من التأويل، وإلا بعض التراكيب قد نقول: ليس مبتدأ ولا خبر، لكن لا بد من التأويل من أجل طرد الباب لنجعل هذه الأفعال خاصة بالمبتدأ والخبر وإلا لو وقفنا مع كل لفظ وجلسنا نفحص فيه هل هو مبتدأ أو خبر قد نتعب، وحينئذٍ لا بد من التأويل وطرد الباب.
صيرت الطين خزفاً، صيرت: فعل وفاعل، والطين: هذا مفعول به أول، وخزفاً: هذا مفعول ثان.
فَصُيِّرُوا مِثْلَ كَعَصْفٍ مَأكُولْ
فَصُيِّرُوا: الواو هذه نائب فاعل، وصُيِّرُوا: هو صيرا لكنه مغير الصيغة.