وحينئذٍ: افْتَحْ مفرداً، انْصِبَنْ مفرداً، ارْفَعْ مفرداً، كلها طلبته على أن يكون مفعولاً له، ماذا نصنع؟ نعطي واحد مفرداً والباقي نقدر له الضمير ثم نحذفه، وهذا سيأتي في باب التنازع.
والأحسن أن نجعل مفرداً هذا حال؛ لأنه والأصل ونعتاً مفرداً، والنكرة إذا تقدمت على منعوتها موصوفها انتصبت على الحالية.
وَمُفْرَداً نَعْتاً لِمَبْنِيٍّ، إذاً احترازاً عن غير المبني، وهو المضاف والشبيه بالمضاف، هذا لا يكون مبنياً، لِمَبْنِيٍّ متعلق بنَعْتاً، يَلِي: يعني يتصل بمنعوته لا ينفصل عنه.
حينئذٍ كم شرط ذكر لنا في هذه المسألة؟
أن يكون مفرداً.
أن يكون تالياً له: يعني متصلاً بالمنعوت، قال: يَلِي يعني يلي منعوته بدون فاصل.
وأن يكون النعت مفرداً، وكذلك المنعوت مفرداً، من أين أخذنا المنعوت مفرداً؟
لِمَبْنِيٍّ؛ لأن المبني لا يكون إلا مفرداً في باب (لا)، وأما المضاف والشبيه بالمضاف لا.
إذاً: مفرداً واحد، مبني ثانياً، يلي الاتصال.
حينئذٍ له ثلاثة أحوال.
قال ابن عقيل: إذا كان اسم لا مبنياً ونعت بمفرد يليه أي: لم يفصل بينه وبينه بفاصل جاز في النعت ثلاثة أوجه:
الأول: البناء على الفتح لتركبه مع اسم (لا) نحو: لا رجلَ ظريفَ، على نية تركيب الصفة مع موصوفه قبل دخول (لا) تركيب خمسة عشر.
الثاني: النصب مراعاة لمحل اسم (لا) نحو: لا رجلَ ظريفاً.
الثالث: الرفع مراعاة لمحل (لا) واسمها المنعوت؛ لأنهما في موضع رفع عند سيبويه كما تقدم نحو: لا رجلَ ظريفٌ.
هذه الثلاثة الشروط إذا انتفى واحد منها انتفى البناء –التركيب-، وبقي الرفع والنصب، وهو ما أشار إليه بقوله:
وَغَيْرَ مَا يَلِي وَغَيْرَ الْمُفْرَدِ ... لاَتَبْنِ وَانْصِبْهُ أَوِ الرَّفْعَ اقْصِدِ
إذاً الشروط الثلاثة السابقة إذا انتفى واحد منها حينئذٍ ينتفي ويرتفع البناء، ويبقى معنا النصب والرفع.
وَغَيْرَ مَا يَلِي، هذا من نعت المبني –مفرد-.
أشار بهذه المسألة إلى مسألتين: أن يكون اسم (لا) مبنياً على الفتح والنعت مفرداً إلا أنه مفصول بينهما، أن يكون كل منهما مفرد لا رجلَ في الدار ظريفٌ، هنا رجل مفرد مبني، وظريف مبني، إلا أنه فصل بينهما، لا رجل فيها ظريفٌ - ظريفاً، ظريفٌ على محل لا مع اسمها، ظريفاً باعتبار محل اسم (لا)، كما هو الشأن في السابق.
ما الذي امتنع؟ البناء، لماذا؟ لأنهم لا يركبون ثلاثة أشياء؛ لأنه لو أراد أن يركب، حينئذٍ لا رجلَ فيها ظريفَ، وهذا لا وجود له، رجلَ فيها ظريفَ يكون مركب واحد مثل خمسة عشر! هذا لا وجود له.
إذاً انتفى وارتفع البناء لارتفاع موجبه وهو عدم إمكان التركيب، فبقي على الرفع والنصب.
وَغَيْرَ مَا يَلِي، الذي لا يلي انفصل، وَغَيْرَ الْمُفْرَدِ وهو المضاف والشبيه بالمضاف (لاَتَبْنِ) لا يبنى، لماذا؟ لتعذر موجب البناء بالطول، وزوال التركيب بالفصل في الأول؛ لأنك إذا قلت: لا رجلَ فيها ظريفَ، نقول: هذا ما يمكن، لماذا؟ لأن التركيب قد زال بالفصل وهو الجار والمجرور بين اسم (لا) والنعت، فلا يجوز.
إذاً لتعذر موجب البناء بالطول وزوال التركيب بالفصل في الأول.