إذاً عرفنا أن حكمه البناء، أنه مبني، ثم يأتي مبني على ماذا؟ نقول: يبنى على ما ينصب به لو كان معرباً؛ لأنه أحوال: مفرد في باب الإعراب، مثنى، جمع، جمع مذكر سالم، كل واحد من هذه يبنى على ما ينصب به لو كان معرباً، فالمفرد لا رجلَ مبني على الفتح؛ لأنك تقول: رأيت رجلاً، لا رجالَ مبني على الفتح؛ لأن جمع التكسير ينصب بالفتحة، لا مسلمَينِ مبني على الياء؛ لأنه ينصب على الياء، لا مسلمِينَ مبني على الياء لأنه ينصب بالياء، لا مسلماتِ، لا مسلماتَ قولان، يجوز فيه الوجهان: أن يبنى على الكسر؛ لأنه ينصب بالكسر، أو يبنى على الفتح لأنه الأصل فيه الفتح، ويجوز الوجهان، فيه ثلاثة أقوال.
إذاً حكمه البناء على ما كان ينصب به؛ لتركبه مع (لا) وصيرورته معها كالشيء الواحد، فهو معها كخمسة عشر، هكذا قال ابن عقيل تبعاً لكثير.
ولكن محله النصب بلا لأنه اسم لها؛ لأنها تعمل النصب، فإذا كانت تعمل النصب لا إشكال أنه ظهر في: لا غلامَ رجلٍ ولا طالعاً جبلاً، ظهر فيه النصب، وأما لا رجلَ أين النصب وهي تعمل النصب؟ قلنا: توجه إلى المحل، فحينئذٍ هو مبني من جهة اللفظ، ومعرب من جهة المحل.
يدل على ذلك ما سيأتي -العطف على المحل بالنصب-: لا حولَ ولا قوةً، النصب من أين جاء هنا؟ جاء من محل رجل، سيأتي.
فالمفرد الذي ليس بمثنى ولا مجموع يبنى على الفتح؛ لأنه ينصب بالفتحة (لا حول ولا قوة)، والمثنى وجمع المذكر السالم يبنيان على ما كانا ينصبان به وهو الياء لا مسلِمِينَ لك ولا مسلِمَينِ، فمسلِمِينَ ومسلِمَينِ مبنيان لتركبهما مع (لا) كما بني رجل.
بل الصواب أنه لتضمنه معنى من الاستغراقية.
وذهب الكوفيون والزجاج إلى أن المفرد معها معرب، وحذف التنوين منه تخفيفاً لا رجل، قالوا: هذا منصوب بالفتحة الظاهرة على آخرة، إذاً لماذا لم نقل: لا رجلاً؟ قالوا: حذف التنوين تخيفاً.
ورُد بأن حذفه من النكرة المطولة كان أولى، يعني لا رجل حذف التنوين تخفيفاً، لماذا ذكرتموه لا طالعاً جبلاً، هذا من باب أولى أن يحذف؛ لأن حذفه من الأطول أولى من حذفه من الأقصر، وبأنه لم يعهد في التنوين -حذف التنوين- إلا لسبب، وهي أسباب معلومة وليس هذا واحد منها.
إذاً مذهب الكوفيين أن لا رجل معرب، وأنه منصوب في لفظاً ومحلاً، وأما جمهور البصريين والنحاة على أنه في اللفظ مبني وفي المحل منصوب.
وذهب المبرد إلى أن مسلمِين ومسلمَين معربان، يعني المثنى والجمع معربان؛ لأنه لم يعهد فيهما التركيب مع شيء آخر، وهذا بناء على العلة التي ذكروها، وهي التركيب مع خمسة عشر.
وأما جمع المؤنث السالم فقال قوم: مبني على ما كان ينصب به وهو الكسر فتقول: لا مسلمات لك بكسر التاء بدون تنوين، وقيل: بالتنوين؛ لأن التنوين هنا تنوين مقابلة، فلا ينافي البناء.
إنَّ الشَّبَابَ الّذيِ مَجْدٌ عَوَاقِبُهُ ... فِيهِ نَلَذُّ وَلاَ لَذَّاتِ لِلشِّيبِ
وَلاَ لَذَّاتِ جمع لذة، إذاً هو جمع مؤنث سالم، وبني على الكسر؛ لأنه إذا أعرب ونصب حينئذٍ ينصب بالكسرة.
قيل: ينصب بالكسرة مع التنوين، وقيل بدون تنوين، لماذا؟ لأن التنوين هنا تنوين مقابلة لا ينافي البناء.
إذاً: أربعة مذاهب فيه: