الواقع بعدها نصاً يعني: على جهة الاستغراق لا على جهة الاحتمال، ثم هو على جهة النص لا على جهة الاحتمال، كما هو الشأن في (لا) التي تعمل عمل (ليس) ونفيه عن الجنس يستلزم نفيه عن جميع أفراده؛ لأنه إذا قيل: لا رجل في الدار، رجل هذا قلنا يصدق على زيد وعمرو وخالد .. إلى آخره، فإذا نفينا الجنس وهو القدر المشترك بين زيد وعمرو وخالد، يستلزم نفي الأفراد –الآحاد-، إذا نفينا القدر المشترك بين زيد وخالد وعمرو لا رجل، فحينئذٍ (رجل) الرجولة هذه لا توجد هكذا دون عمروٍ وخالد كما مر معنا.
حينئذٍ إذا نفي الجنس يستلزم نفي أفراده، فإذا قيل: لا رجل بمعنى لا خالد ولا عمرو ولا محمد .. ولا إلى آخره، فهذه الأفراد نفيت، هل من جهة النص أو من جهة الاستلزام؟
من جهة الاستلزام؛ لأننا نحن لم ننف الآحاد، لم ننف الأفراد، وإنما سلط النفي على الجنس، والجنس هذا قدر مشترك معنا، فحينئذٍ نقول: هذا يستلزم نفي الآحاد والأفراد.
وتسمى (لا) التّبرِئَة كما سبق بإضافة الدال للمدلول، لتبرئة المتكلم وتنزيهه الجنس عن الخبر، والمراد بكونها لنفي الجنس نصاً كونها له في الجملة -"لاَ" الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْس- نقول هذه معناها أنها تنفي الجنس في الجملة، لماذا؟ لأن اسمها كما سيأتي يكون مفرداً ويكون مضافاً ويكون شبيهاً بالمضاف، وإذا كان مفرداً يكون مثنىً ويكون جمعاً، وإذا كان جمعاً يكون جمع تكسير ويكون جمع مؤنث سالم، ويكون جمع مذكر سالم .. هل هذه كلها تفيد الاستغراق في نفي الجنس؟ هل كلها إذا تسلطت عليها (لا) حينئذٍ تكون نصاً في العموم؟ لا، وإنما المراد منها نوع واحد وهو لا رجل فحسب، وأما لا رجلين، ولا رجال، ولا مسلمِين ولا مسلمَين الظاهر أنها ليست نصاً في العموم، فإذا قيل: (لا) التي لنفي الجنس حينئذٍ نقول: المراد به نوع واحد من أنواعها وهو الغالب الكثير؛ لأنه مفرد واستعمال المفرد أكثر من استعمال المثنى والجمع.
إذاً المراد بكونها لنفي الجنس نصاً كونها له في الجملة؛ لأن (لا) العاملة عمل (إن) إنما تكون نصاً في نفي الجنس إذا كان اسمها مفرداً لا رجل، وأما لا رجلين، ولا رجالاً، ولا مسلمين .. فلا، هذه مقيدة بالجمع ومقيدة بالاثنين، فإذا قيل: لا مسلمَين، لا مسلمِين حينئذٍ نفي القيد الذي قيد به اسم (لا) وهو الاثنينية أو الجمعية، وأما ماعداه فهو محتمل، إذا قيل: لا مسلمَين في الدار قد يكون مسلم موجود، قد يكون مسلمون، ولكن هنا نص على نفي الاثنين، فاستغرق النفي قيد الاثنينية فحسب، وما عداه فلا، هذا هو الظاهر.
فإن كان مثنىً نحو لا رجلين أو جمعاً نحو لا رجال كانت محتملة، ليست نصاً في نفي الجنس كانت محتملة لنفي الجنس ولنفي قيد الاثنينية أو الجمعية، وهذا كثير من الأصوليين على هذا.
وأما (لا) العاملة عمل ليس فإنها عند إفراد اسمها لنفي الجنس ظهوراً، لا رجلٌ في الدار، قلنا: لا رجل، هذه (لا) النافية للجنس، لا رجلٌ في الدار .. هذه (لا) التي تعمل عمل ليس.