إذاً: لماذا استثنينا الجملة الاسمية وأَنْ غَضِبَ؟ لأن (أن) المصدرية لا تقع قبل هذه الأفعال، ولما احتمل في غيرها وقوع (أن) المخففة من الثقيلة و (أن) المصدرية احتجنا إلى الفاصل، وهذا التعليل يرجح أن الفاصل واجب وليس بمستحسن، لماذا؟ لأنه دفعاً للإلباس، هذا مثل شأن ما سبق.
وَتَلْزَمُ اللاَّمُ إِذَا مَا تُهْمَلُ: إذا لم توجد قرينة حينئذٍ وجب دخول اللام، فرقاً بين (إن) نافية، و (إن) المخففة من الثقيلة، هنا الحكم واحد.
هناك التبست (إن) بـ (إن) النافية، وهنا التبست (أن) المخففة بـ (أن) المصدرية، وليس ثم فارق بينهما إلا هذا الفاصل فوجب الفاصل.
فَالأَحْسَنُ الْفَصْلُ بين (أن) والفعل بواحد من هذه الأمور الأربعة، ودليلها الاستقراء.
وَخُفِّفَتْ كَأَنَّ أَيْضاً فَنُوِي ... مَنْصُوبُهَا وَثَابِتَاً أَيْضاً رُوِي
كَأَنَّ مثل (إن) و (أن) تخفف، بمعنى أنها تحذف إحدى النونين، وهذه مجالها السماع، يعني: لا يقاس غيرها عليها، وإنما يقال السماع.
وَخُفِّفَتْ كَأَنَّ: وفهم من كونه لم يشترط في خبرها أن يكون جملة كما ذكر في (أن) أن خبرها يكون جملة ويكون مفرداً.
وَخُفِّفَتْ كَأَنَّ أيْضاً حملاً على (أن) المفتوحة فَنُوِي مَنْصُوبُهَا: يعني حذف، عبر هناك باستكن عن الحذف، وعبر هنا عن الحذف بالنية نُوِي، يعني: حذف، وإذا حذف حينئذٍ جعل المحذوف كالثابت.
فَنُوِي مَنْصُوبُهَا: مَنْصُوبُهَا هذا نائب فاعل، وهو ضمير الشأن كثيراً في باب كأن.
وَثَابِتاً أيْضاً رُوِي: وأيضاً روي اسمها ثابتاً، ثَابِتاً هذا حال مقدم، ورُوِي أي: النصب، وهو غير ضمير الشأن قليلاً كمنصوب (أن).
إذاً: خُفِّفَتْ كَأَنَّ أيْضاً حملاً على أن المفتوحة فَنُوِي، إذاً: فهم منه أنها لا تهمل، لما قال: (فَنُوِي مَنْصُوبُهَا) إذاً لا تهمل، مثل (أن)، بخلاف (إنَّ) إذا خففت حينئذٍ الأكثر فيها الإهمال والقليل فيها الإعمال.
مَنْصُوبُهَا: إذاً: يكون منوياً.
وَثَابِتاً أيْضاً رُوِي: وسكت عن الخبر لم يبين حكمه فدل على أنه يأتي جملة ويأتي مفرداً، إذ لو كان له حالة واحدة لا يخرج عنها لوجب التنصيص عليها، لكن لما أطلق بخلاف (أن) هناك بين أنه يأتي جملة احترازاً عن المفرد، هنا أطلق لم يذكر خبر كأن إذا خففت، فدل على أنه يأتي جملة ويأتي مفرداً.
وَثَابِتاً أيْضاً رُوِي: إذا خففت كأن نوي اسمها وأخبر عنها بجملة اسمية، نحو: كأن زيد قائم، أو جملة فعلية مصدرة بـ (لم): ((كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ)) [يونس:24]، أو مصدرة بـ (قد):
أَزِفَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا ... لَمَّا تَزُلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنْ قَدِ
وكَأَنْ قَدِ: وكأن قد زالت.
إذاً: فصل بين كَأَنْ وتغنى بـ (لم)، وفصل بين كَأَنْ زالت بـ (قد)، وكأن قد زالت، فاسم كأن في هذه الأمثلة محذوف وهو ضمير الشأن، والتقدير كأنْ هُو زيد قائم، وكأنْ هُو لم تغن بالأمس، وكأنْ هُو قد زالت، والجملة التي بعدها خبر عنها حكمه واحد مثل: (أن)، وهذا معنى قوله:
فَنُوِي مَنْصُوبُهَا: وأشار بقوله: وَثَابِتاً أيْضاً رُوِي: إلى أنه قد روي إثبات منصوبها، ولكنه قليل، ومنه قوله: