وَخُفِّفَتْ إنَّ فَقَلَّ الْعَمَلُ: ما علة التخفيف - (إنْ) المكسورة-؟ نقول: لثقلها (إنّ) ثلاثة أحرف، و (إنْ) حرفان، فيكثر إهمالها لزوال اختصاصها، ويجوز إعمالها، وكثر الإهمال، قالوا: لزوال الاختصاص، نحو: ((وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ)) [يس:32]، وَإِنْ كُلٌّ، وَإِنْ كُلٌّ (لمَّا) أو (لمَا)؟ في النصب (لمَا)، ((وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ))، (إنْ) مخففة من الثقيلة، كُلٌّ ما إعرابه؟ مبتدأ، مثل: إن زيدٌ قائمٌ، (إنْ) مخففة من الثقيلة، إذا كان ما بعدها منصوب منطوقاً به فهو واضح بين، حينئذٍ تجعله اسماً لها، فهو منطوق به، هنا: ((وَإِنْ كُلٌّ)) بالرفع، إذاً: لن يكون اسماً لها، فحينئذٍ هذه (إنْ) مخففة من الثقيلة وأهمل إعمالها -لم تعمل-.
وجاز إعمالها للأصل: وإن كلاً لما بالتخفيف، وإن كلاً: إذاً: أعملت (إنْ) هنا على الأصل، إعمالاً للأصل، وإنما قل هنا العمل وبطل فيما إذا كفت بـ (ما)، إذا كفت بـ (ما) بطل العمل، إنما زيدٌ قائمٌ قلنا: الصحيح أنها لا تعمل، هنا خففت فقل العمل جاز العمل، لماذا لا نقول هنا كما قال ابن مالك: وَقَدْ يُبَقَّى الْعَمَلُ؟ هو سوى بينهما المسألة عنده واحدة، لكن الإشكال عندنا، إذا قلنا: بأنه في السابق، وَقَدْ يُبَقَّى الْعَمَلُ فيه نظر باعتبار ما عدا ليت، والصواب أنه يعتبر شاذ ولا يقاس على ليت.
هنا زال الاختصاص بتخفيف إنّ (إنْ) ومع ذلك بقي العمل وإن كان قليلاً، وهذا القيل لغة فصيحة، ولذلك جاء في القرآن، ما الفرق بين المسألتين؟ نقول: وإنما قل هنا العمل وبطل فيما إذا كفت بـ (ما) مع أن العلة في الموضعين زوال الاختصاص بالأسماء؛ لأن المزيل هناك أقوى، (ما) هذا لفظ فهو قوي، أجنبي زِيدَ على اللفظ، وهو لفظ وهو قوي، كذلك زيد، يعني: هو أجنبي خارج عن الجملة، وهو بخلافه هنا فإنه نقصان بعض الكلمة، فالمانع هناك أجنبي، وهو لفظي وهو كلمة زائدة بلفظها، كلمة: (ما)، وهنا (إنْ) ليس عندنا إلا حذف إحدى النونين فحسب، فهو شيء من جزء الكلمة وليس بشيء خارج عنها، والسماع هو المعتبرز
فإنه نقصان بعض الكلمة، ومحل ما ذكر إن ولِيَها اسم، فإن وليها فعل وجب الإهمال، -هذا لا إشكال فيه، يعني: لو جاء بعد (إنْ) المخففة فعل هل نقول يجوز فيها الوجهان؟ لا؛ لأنه زال اختصاصها فدخلت على الجملة الفعلية، إذاً: ما بعدها يعتبر جملة فعلية، إما فعل ماضي أو مضارع .. إلى آخره-.
ولا يدعى الإعمال وأن اسمها ضمير الشأن والجملة الفعلية خبرها، بل الصواب أن يقال: بأن (إنْ) حينئذٍ تكون ملغاة، وإن خففت عن الثقيلة؛ لأن الفعل قد تلاها.