مبتدأً لخبرٍ محذوف -وعمروٌ كذلك-، يعني: وعمروٌ قائم، ويحتمل -على ظاهر كلام المصنف- أنه معطوف على محل اسم (إنّ)، وما هو محل اسم (إنّ)؟ هو المراعاة قبل دخول (إنّ)؛ لأن الأصل: زيدٌ قائم، فهو مرفوع، دخلت (إنّ)، حينئذٍ كأنها أعملت في اللفظ وبقي المحل على ما هو، فلما عطف عليه بالرفع علمنا أن المعطوف عليه له صلة بالرفع، ولا يتصور في منصوب (إنّ) أن يكون له رفع إلا من جهة كونه مبتدأً؛ لأنه قبل دخول (إنّ) هو مبتدأ، فحينئذٍ يكون زيداً له عملان –محلان-، وتسلط عليه عاملان، الابتداء؛ لأننا إذا قلنا: زيداً في المحل مرفوع، مرفوع بأي شيء بـ (إنّ)؟ (إنّ) ما ترفع الاسم، حينئذٍ يكون مرفوعاً بالابتداء الذي كان قبل دخول (إنّ)، إذاً: هذا عامل، واللفظ المنصوف نصب بماذا؟ بـ (إنّ)، حينئذٍ عاملان على معمول واحد، لكن من جهتين، والمعمول هذا له جهتان: رفع ونصب، وهذا قول باطل، لأن بالإجماع أن (إنّ) وأخواتها تعتبر من النواسخ، وليس للنسخ معنىً إلا إزالة الحكم الذي كان قبل دخول الناسخ، فحينئذٍ الرفع بعد دخول (إنّ) غير موجود، رائحة الرفع غير موجودة أصالة، لزوال العامل الذي هو الابتداء بوجود (إنّ) وهو عامل لفظي، فزيداً في اللفظ والمعنى والمحل إن صح التعبير منصوب بـ (إنّ)، وليس للابتداء وجود، وليس للمبتدئ وجود لوجود (إنّ) واسمها، فحينئذٍ إذا أبطلنا هذا الاحتمال أن يكون مرفوعاً تعين الثاني -الوجه الثاني- وهو أن يكون عمروٌ بالرفع على أنه مبتدأ حذف خبره، لكن يبقى الإشكال في توجيه قول ابن مالك رحمه الله تعالى؛ لأن هذا القول ضعيف جداً؛ أن يكون لاسم (إنّ) محل، وهو الرفع.
وَجَائِزٌ رَفْعُكَ مَعْطُوفاً عَلَى ... مَنْصُوبِ إنَّ: وهو اسمها، وظاهر أنه ليس العطف؛ لأنه قال: وَجَائِزٌ رَفْعُكَ، عَلَى مَنْصُوبِ إنَّ لا يمكن أن يكون العطف هنا على اللفظ بل هو على المحل، وليس ثم محل إلا من جهتين، ما ذكرناه سابقاً، وقد زاد بعضهم: (إنّ) واسمها في محل رفع مبتدأ، وهذا أبعد أيضاً، لأن الابتداء إنما يرفع مبتدأً فقط لا يرفع شيئاً آخر، و (إنّ) وزيداً ليست بكلمة واحدة حتى يتسلط عليها الابتداء، فهذا قول ضعيف وأبعد من الأول، فتعين الثاني وهو أن يكون عمروٌ مبتدأ حذف خبره، وعمروٌ كذلك أو وعمروٌ قائم.
وَجَائِزٌ: بالإجماع، رَفْعُكَ: جَائِزٌ رَفْعُكَ هذا يشعر بأن الأصل معتبر أو لا؟ إذا قيل لك: يجوز لك فعل ذلك، حينئذٍ ما يقابل الجواز يعتبر أصلاً، بل ويعتبر أرجح، إذا قيل: يجوز لك كذا، حينئذٍ نقول: ما يقابل الجواز يكون أصلاً، وإذا كان أصلاً حينئذٍ مراعاة الأصول هو الأرجح، فحينئذٍ جَائِزٌ رَفْعُكَ مع النصب والنصب أرجح؛ لأنه موافق للأصل، فأشعر قوله: وَجَائِزٌ –جائز-؛ إنما أبيح لك ذلك مع كونه ليس هو الأصل في الاسم، حينئذٍ نقول: هذا يدل على مرجوحية الرفع وكون النصب هو الراجح.
إذاً: يشعر قوله جائز أن النصب هو الأصل والراجح.
وَجَائِزٌ رَفْعُكَ مَعْطُوفَاً عَلَى ... مَنْصُوبِ إِنَّ بَعْدَ أَنْ تَسْتَكْمِلاَ