وأما البواقي فذهب الزجاج وابن السراج إلى جوازه فيها قياساً، فتبعهم الناظم رحمه الله تعالى، ووافقهم الناظم هنا، ومذهب سيبويه المنع لزوال الاختصاص بخلاف ليت، فإنها باقية على اختصاصها بالأسماء، وهذا هو الأولى الذي ينبغي ترجيحه: أن هذه يستثنى منها ليت فحسب إذا دخلت عليها (ما)، وأما ما عداها فحينئذٍ نقول: اللغة الدارجة والمطردة في لسان العرب أنها تلغى، حينئذٍ (ما) تعتبر كافة، وما ورد في لسان العرب من بعضها حينئذٍ نقول: هذا شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، إنما زيداً قائمٌ -ما حكاه الأخفش والكسائي- نقول: شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، وأما القياس على (ليتما) قياس فاسد، لماذا؟ لأنه باتفاق أن هذه الأحرف إنما أعملت لاختصاصها بالجملة الاسمية، حينئذٍ فرق بين المقيس والمقيس عليه، ليتما بعد دخول ما بقيت على أصلها، فالعلة المقتضية للعمل موجودة، ولذلك قوله: من أوجب الإعمال، حتى مع (ما) له وجه؛ لبقاء الاختصاص، وأما (إنما وكأنما ولعلما)، حينئذٍ نقول: هذه زال اختصاها بالجملة الاسمية، حينئذٍ العلة المقتضية للعمل هذه منتفية غير موجودة، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، حينئذٍ إذا وجدت العلة وجد الحكم، وإذا ارتفعت العلة ارتفع الحكم.
وَوَصْلُ مَا بِذِي الحُرُوفِ مُبْطِلُ ... إِعْمَالَهَا وَقَدْ يُبَقَّى العَمَلُ
وهذا قلنا: قول فيه نوع مرجوحية.
قال: إذا اتصلت ما غير الموصولة بـ (إنّ) وأخواتها كفتها عن العمل إلا ليت، فإنه يجوز فيها الإعمال والإهمال، فتقول: إنما زيد قائم، ولا يجوز نصب زيد، وكذلك (أن وكأن ولكن ولعل) وتقول: ليتما زيدٌ قائمٌ، وإن شئت نصبت زيداً، وقلت: ليتما زيداً قائمٌ، وظاهر كلام المصنف: أن (ما) إن اتصلت بهذه الأحرف كفتها عن العمل، وقد تعمل قليلاً -كلها يعني-، وهذا قول مرجوح، وهذا مذهب جماعة من النحويين كالزجاج وابن السراج، وحكى الأخفش والكسائى: إنما زيداً قائم، والصحيح المذهب الأول، أنها لا تعمل البتة، وهو مذهب سيبويه وجمهور النحاة.
وهو أنه لا يعمل منها مع ما إلا ليت، وأما ما حكاه الأخفش والكسائي فشاذ، واحترزنا بغير الموصولة من الموصولة، فإنها لا تكفها عن العمل، بل تعمل معها، والمراد من الموصولة التي بمعنى الذي، والتي هي مقدرة بالمصدر: إن ما فعلت حسن، يعني: المصدرية والموصولة التي بمعنى الذي، وكذلك الموصوفة، حينئذٍ نقول: هذه لا تكف إن عن العمل، إن ما عندك حسن، لو جعلتها موصوفة، يعني: إن شيئاً عندك حسن، هذه لا تكف ما.
إذاً: (ما) الموصوفة و (ما) الموصولة و (ما) المصدرية لا تكف إن وأخواتها عن العمل.
ثم قال:
وَجَائِزٌ رَفْعُكَ مَعْطُوفَاً عَلَى ... مَنْصُوبِ إِنَّ بَعْدَ أَنْ تَسْتَكْمِلاَ
وَجَائِزٌ رَفْعُكَ، جَائِزٌ هذا خبر مقدم، ورَفْعُكَ مبتدأ مؤخر، ويجوز العكس على مذهب الكوفيين؛ لأنه كقوله: وَقَدْ ... يَجُوزُ نَحْوُ فَائِزٌ أُولُو الرَّشَدْ، هذا مثل هؤلاء، فائز أولو الرشد، يعني: وصف لم يعتمد على نفي أو استفهام، عند البصريين لا يجو أن يكون مبتدأً، وعند الكوفيين جائز.