إذاً: أن تكون في موضع فاعل، كقوله تعالى: ((أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا)) [العنكبوت:51] يَكْفِي: هذا فعل مضارع فاعله غير مذكور، وصح أن نجعل - ((أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا)) أننا هذا الأصل- صح جعل (أَنَّ) ومعموليها فاعلاً تسلط عليه العامل، والصناعة الإعرابية لا ينافيها ما ذكرناه حينئذٍ وجب فتح همزة (أن) -أولم يكفهم إنزالنا- هذا الموضع الأول.
((قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ)) [الجن:1] أُوحِيَ: هذا مغير الصيغة. استماع، أوحي أنه استمع، أين نائب الفاعل لأوحي؟ نقول: أَنَّهُ اسْتَمَعَ، (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر وهذا المصدر في محل رفع نائب فاعل، ولذلك الإعراب كما سبق في المصدر المنسبك من (أن) وما دخلت عليه يكون محلياً على الصحيح، ولا يكون تقديرياً وإن قال به بعض النحاة.
الثالث: أن يكون في موضع مفعول به غير محكي بالقول، غير محكي بالقول لماذا؟ لأن القول وما تصرف منه ينصب مفعولاً به، هذا الأصل، ((قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ)) [مريم:30] هذه واجبة الكسر أو حكيت بالقول، إذاً: هو مفعول به لكنه واجب الكسر، وحينئذٍ لا بد من استثنائه في هذا الموضع، نقول: أن تقع في محل مفعول به غير محكي بالقول، ((وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ)) [الأنعام:81] لاَ تَخَافُونَ إشراككم، حينئذٍ: أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ نقول: هذه واجبة الفتح، لماذا؟ لأن (تَخَافُونَ) يطلب مفعولاً به، وإذا طلب مفعولاً به حينئذٍ لا بد من أن يتسلط العامل على (إنَّ) فيجب فتحها؛ لأنها هي التي تؤول بمصدر، ((وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ)) أي: لا تخافون إشراككم.
الموضع الرابع: أن تكون في موضع حرف جر؛ ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ)) [لقمان:30] ذَلِكَ: هذا مبتدأ، أين خبره؟ ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ)) هنا الشاهد ليس في كونه مبتدأً أو؟؟؟، الشاهد في دخول الباء على (أن)، الأصل بـ (إِنَّ)، لكن إذا سبق (إنَّ) بحرف الجر وجب فتحها وحينئذٍ صار مدخول (إنَّ) في محل جر، وهذا لا يناسبه إلا أن يكون مفرداً، فتعين أن يكون مفرداً، وإنما يكون ذلك بفتح همزة (أن) وإلا الأصل هو (إنَّ)، بإن. تقول: بإن، الباء حرف جر لا تدخل على الجملة؛ لأن (إنَّ) هذه جملة مستقلة. إن زيداً قائم الأصل هو زيد قائم، ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ)) نقول: الأصل: بـ (إن الله)، لكن الباء لا تدخل إلا على مفرد وهو اسم، وإن: جملة، حينئذٍ نقول: لا بد من أن نأتي في هذا الموضع بما يصح تأويله بمصدر، ولا يكون كذلك إلا بوجوب فتح همز (إنَّ) فصارت: أن. ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ)).
الخامس: أن تقع في موضع مبتدأ، وهذا المبتدأ مؤخر، ((فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ)) [الصافات:143] أين المبتدأ؟
لولا ما سبق أنها من علامات الأسماء وأنه يقع بعدها المبتدأ.
وَبَعْدَ لَوْلاَ غَالِباً حَذْفُ الْخَبَرْ ... حَتْمٌ
إذاً: ((فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ)) فَلَوْلا كونه مِنَ الْمُسَبِّحِينَ.
إذاً: كون نقول: هذا مبتدأ، تقع في موضع مبتدئ مؤخر.