حَيْثُ إِنَّ: قلنا: (إن) مبتدأ، لِيَمِينٍ متعلق بقوله: مُكْمِلَهْ، مُكْمِلَهْ هذا خبر (إن)، أي وقعت جواباً له سواء مع اللام أو دونها، ولا فرق معها بين وجود فعل القسم أو لا ((وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ)) [العصر:1، 2].
حَيْثُ إِنَّ لِيَمِينٍ مُكْمِلَهْ، يعني وقعت جواباً للقسم، حينئذٍ يجب كسر همزة (إن)، وهذا يدخل تحته ثلاث صور، يعني مواضع كسر همزة (إن) في جواب القسم له ثلاثة أحوال؛ لأن الصور أربعة: واحدة يجوز فيها الوجهان، وثلاثة يجب فيه كسر همزة (إن).
الصورة الأولى: أن يذكر فعل القسم وتقع اللام في خبر (إن)، هنا يتعين مثل ((وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ)) [التوبة:56] (يَحْلِفُونَ) ذُكر القسم الفعل، ثم قال: ((إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ)) جُمع بين الفعل واللام، وجب كسر همزة (إن).
الصورة الثانية: أن يحذف فعل القسم وتقع اللام في خبر (إن): ((وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي)) [العصر:1، 2]. وقعت اللام في في خبر (إن)، أين الفعل؟ محذوف ((وَالْعَصْرِ)).
في هذين الموضعين باتفاق إجماع أنه يجب كسر همزة (إن)، وانظر الضابط فيهما وجود اللام في خبر (إن)، وجدت اللام سواء ذكر الفعل أم حذف وجب كسر همزة (إن).
إذاً الضابط ليس هو في ذكر فعل القسم، بل ذُكِر في الأولى وحُذِف في الثانية ((وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ)) هنا جَمَعَ بين الأمرين: ذُكِرَ الفعل، ووجدت اللام في خبر (إن).
الثاني: ((وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي)) وُجِدت اللام وحُذف الفعل.
إذاً الضابط ما هو القدر المشترك؟: وجود لام الابتداء واقعة في خبر (إن) سواء حذف الفعل أم ذكر، في هاتين الصورتين بالإجماع أنه يجب كسر همزة (إن).
الثالث: أن يحذف فعل القسم ولا تقترن اللام بخبر (إن)، يحذف الأمران الاثنان: الفعل، واللام، هذه محل نزاع، والنزاع صوري مثل ماذا؟ {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ (3)} [الدخان: 1 - 2 - 3] ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ)) هذه جواب قسم، أين فعل القسم؟ محذوف، أين اللام؟ لا لام، إذاً انتفيا -الفعل واللام-، هنا يجب على مذهب البصريين كسر همزة (إن)، هذه الصورة اختلفوا فيها:
فالكوفيون أجازوا فيها الوجهين: الكسر والفتح، ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ)) ((أَنَّا أَنزَلْنَاهُ)) يجوز فيها الصورتان، والبصريون منع الفتح وأوجبوا الكسر، وقد غُلِّطَ الكوفيون في هذه المسألة، وحكي الإجماع السابق على أنه يجب فيها الكسر؛ لعدم السماع، لم يأتوا بسماع لفظ واحد أنه فيما إذا حذف فعل القسم مع اللام أنه يجوز فيها فتح همزة أن، لا يحفظ أبداً في لسان العرب، ولذلك نص السيوطي في جمع الجوامع على أن الكوفيين غَلِطُوا في هذه المسألة، مذهبهم غلط من أصله، فحينئذٍ تكون هذه المسائل كلها الثلاث مجمع عليها، وإن كان الإجماع في الصورة الأولى والثانية متحقق، وفي الثالثة على النزاع المذكور.
وَحَيْثُ إِنَّ لِيَمِينٍ مُكْمِلَهْ يدخل تحته هذه الصور الثلاثة، بقي صورة واحدة يجوز فيها الوجهان يأتي هناك إن شاء الله.