وتعليل ذلك عند النحاة: أن الفعل في المعنى صفة، الأفعال كلها بأنواعها: الماضي والمضارع والأمر في المعنى صفات، والصفات تقتضي موصوفاً، حينئذٍ إذا قلت: جاء قام .. كما قلت: زيد قائم أسندت هذا إلى ذاك، قلت: جاء قام، جاء مسنداً إليه، وقام مسند، جاء: هذا يدل على وقوع حدث وهو المجيء، وقام كذلك يدل على حدث وهو وقوع القيام، من الذي قام بالمجيء، ومن الذي قام بالقيام؟ أين الموصوف؟ هل هو موجود في اللفظ؟ الجواب: لا.
إذا تجرد الكلام بفعلين حينئذٍ امتنع وجود الموصوف، ولذلك ثنى به.
ثُمَّ حَرْفٌ: ثلث بالحرف؛ لأنه يقع طرفاً، لا مسنداً ولا مسنداً إليه، والحرف سيأتي: أنه ما دل على معنىً في غيره فقط، فحينئذٍ كونه لا يقع مسنداً ولا مسنداً إليه صار خارجاً عن أصل الكلام، لماذا؟ لأن الكلام محصور في المسند والمسند إليه.
وإذا كان الحرف لا يقع مسنداً ولا مسنداً إليه، حينئذٍ امتنع أن يكون جزءً من الكلام، ولذلك سمي الحرف حرفاً؛ لأنه يقع طرفاً.
وأما قوله: ثُمَّ، وهذا في باب التقسيم عند بعضهم، بمعنى: الواو، كأنه قال: اسم وفعل وحرف، إذ لا معنى للتراخي بين الأقسام؛ لأن ثم تفيد ماذا؟ تفيد التراخي، هو: لا شك أن رتبته أدنى من رتبة الفعل، ولو أريد هذا المعنى لقيل: اسم ثم فعل ثم حرف، أليس كذلك؟ لأن الاسم أعلى درجةً، ثم أدنى منه الفعل؛ لكونه يقع مسنداً لا مسنداً إليه، ثم الحرف، لو أريد الترتيب من حيث الشرف لجيء بثم بعد الاسم، وعطف الفعل على الاسم بثم لإثبات التراخي.
ويكفي في الإشعار بانحطاط درجة الحرف عن قسيميه ترتيب الناظم لها في الذكر على حسب ترتيبها في الشرف وقوعه طرفاً، يعني: لا نحتاج أن تكون ثم على بابه؛ لأن كلاً من هذه الأقسام باعتبار الكلمة مرتبة واحدة، متحدة، الاسم قسم للكلمة، والفعل قسم للكلمة، والحرف قسم للكلمة، إذاً: كل منها قسم للكلمة، هل من هذه الحيثية فيه ترتيب؟ لا، وإنما الترتيب متى يكون؟ إذا نظر إلى ذات الاسم، وإلى ذات الفعل، وإلى ذات الحرف، فحينئذٍ بالنظر إلى الانقسام نقول: ثم بمعنى: الواو، وبالنظر إلى ذواتها: الاسم من حيث هو لا بكونه قسماً للكلمة وقسيماً للحرف، حينئذٍ نقول بالتساوي.
وقيل الأولى إبقاء ثم على حالها، يعني: لا نقول: إنها بمعنى الواو، وهذا جرى عليه الأكثرون: إذا جاءت ثم في هذا الموضع، قالوا: ثم بمعنى الواو؛ لأنه لا فرق بينها من حيث كونها قسماً للكلمة، وقيل: الأولى إبقاء ثم على حالها، وجعلها للتراخي الرتبي بين الأقسام من حيث ذواتها لا من حيث الانقسام، يعني: تبقى على المعنى الذي وضعت له في لسان العرب، والمراد به: التراخي الرتبي، يعني: رتبة الحرف بعد رتبة الفعل.
فحينئذٍ هذا بالنظر إلى ماذا .. إلى ذات الحرف أو إلى كونه قسماً؟ بالنظر إلى الحرف ذاته، أو من حيث كونه قسماً للكلمة؟ من حيث ذاته، وعليه نقول: كان الأولى أن يقول: اسم ثم فعل ثم حرف، والأولى أن تجعل هنا ثم بمعنى: الواو، ولا ينظر إلى ذواتها؛ لأن المقصود هنا التقسيم فحسب.
وقيل: الأولى إبقاء ثم على حالها وجعلها للتراخي الرتبي بين الأقسام من حيث ذواتها، لا من حيث الانقسام، يعني: له نظران.