هذا المراد به أن هذه الأفعال منها ما هو تام ومنها ما هو ناقص، هذا مراده على قول الجمهور، منها ما هو تام وهو الذي يكتفي بمرفوعه، وما هو ناقص وهو الذي لا يكتفي بمرفوعه بل لا بد من منصوب:
....................................
وَمَا سِوَاهُ نَاقِصٌ .................... ... وَذُو تَمَامٍ مَا بِرَفْعٍ يَكْتَفِى
.....................................
التعريف هو نفسه هنا، لأن هذا الباب فرع عن ذاك.
قال: بَعْدَ عَسَى اخْلَوْلَقَ أوْشَكْ
أوْشَكْ: أوشك بالإسكان للوزن.
بَعْدَ عَسَى: هذا متعلق بقوله: يَرِدْ.
اخْلَوْلَقَ: على إسقاط حرف العطف: واخلولق.
أوْشَكْ: أي: وأوشك.
وأوْشَكْ قَدْ يَرِدْ: بإسكان الكاف، أصله: أوشكَ.
غِنىً بِأَنْ يَفْعَلَ: أي يستغني بِأَنْ يَفْعَلَ -الذي هو الخبر- أن يفعل يستغنى به عَنْ ثَانٍ: يعني عن ثانٍ من معموليها فُقِدْ، عن ثان مفقود، ما هو الثاني من معموليها؟ الخبر، إذاً: يستغنى بـ (أن) يفعل عن معموليها، وحينئذٍ (أن) يفعل أقيم مقام المعمولين، وسد مسد المعمولين، أكثر الشراح -شراح الألفية- على أنهم أرادوا أن الناظم بهذا البيت قسم الأفعال إلى تامة وناقصة، وأنه لم يسمع التمام إلا في هذه الأفعال فحسب، وهي: عسى واخلولق وأوشك، وليس الأمر كذلك كما سيأتي.
غِنىً بِأَنْ يَفْعَلَ عَنْ ثَانٍ: يعني: من معموليها.
فُقِدْ: يعني حذف وهو الخبر، ضمير يعود إلى ثانٍ، وحينئذٍ إذا قيل: عسى أن يقوم، (أن) وما دخلت عليه قلنا: هذا في تأويل مصدر. أين اسم عسى؟ لم يذكر.
أن يقوم إما أن نقول: بأن عسى هنا اكتفت بمرفوعها عن المنصوب، فهي تامة، وإما أن نقول: أن عسى هنا اكتفت بـ (أن) يفعل عن معموليها، يعني: سدت مسد معموليها، وإذا قيل بأنها سدت مسد معموليها فهي ناقصة ليست بتامة، وهذا هو اختيار الناظم في غير الكتاب وظاهر كلامه هنا على هذا، وإن جعله البعض أنه محتمل لهما كالصبان وغيره، وحينئذ: هل مراد الناظم بقوله:
قَدْ يَرِدْ ... ... غِنىً بِأَنْ يَفْعَلَ عَنْ ثَانٍ فُقِدْ
هل المراد أن هذه الأفعال خرجت عن النقصان إلى التمام؟ أم أنها باقية على النقصان و (أن) يفعل سد مسد المعمولين؟
كقوله: ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا)) [العنكبوت:2] حَسِبَ: هذه تتعدى إلى مفعولين، النَّاسُ: فاعل.
(أَنْ يُتْرَكُوا) سد مسد المعمولين، هل معنى ذلك أن حسب خرجت عن أصلها؟ لا، بل هي باقية على إعمالها، هذه مثلها -هذا الظاهر من كلام الناظم-.
بَعْدَ عَسَى اخْلَوْلَقَ أَوْشَكْ قَدْ يَرِدْ ... غِنىً بِأَنْ يَفْعَلَ عَنْ ثَانٍ فُقِدْ
مذهب الجمهور أنها في هذه الحالة أفعال تامة، اكتفت بمرفوعها وهو أن يفعل، عن ماذا؟ عن طلبها للخبر، و (أن يفعل) فاعلها ولا خبر لها.
عسى أن يفعل: عسى فعل ماض.
أن يفعل: (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل عسى، فعل وفاعل مثل: قام زيد، مثل: ((وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ)) [البقرة:280]، ((فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ)) [الروم:17] مثلها، هذا مذهب جمهور النحاة، ولا خبر لها، ومذهب الناظم أنها ناقصة على أصلها.