لا حقيقة المفاعلة، لأنه للخبر فقط، لأنه إذا قيل: كاد زيد يفعل كذا، إذاً المراد قرب الخبر من الاسم، هذا المراد، فهي مفاعلة من جهة الخبر أو مقاربة من جهة الخبر للاسم، والاسم الأصل فيه أنه لا يقارب الخبر، هذا المراد هنا، حينئذٍ إذا قيل: كاد زيد يفعل كذا، المراد بالخبر هنا: أنه قرب من الاسم. إذاً: ليس فيه مفاعلة، الاسم في الأصل لا يقرب من الخبر، وإنما المراد الإخبار بقرب مدلول الخبر من الاسم. هذا هو الأصل، وحينئذٍ لا وجه للمفاعلة هنا، وحينئذٍ لا بد من صرفه على ما ذكرناه.

وقد يقال: يلزم من وضعها لقرب الخبر من الاسم دلالتها على قرب الاسم من الخبر التزاماً. إذا قيل بأن أصل الوضع، وضعت كاد وأخواتها من أجل دلالتها على قرب الخبر من الاسم، إذا قرب الخبر من الاسم لزم منه أن يكون الاسم كذلك قريباً من الخبر، وحينئذٍ وجدت المفاعلة، لكن قرب الخبر من الاسم وضعاً، لأنه وضع له في لسان العرب لهذا المعنى.

وأما قرب الاسم من الخبر هذا التزاماً؛ لأنه إذا قيل: قرب معنى الخبر من مسمى الاسم حينئذٍ لا يكون الاسم أجنبياً بعيداً عنه، بل كل ما قرب قرب منه الاسم كذلك.

إذاً: فيه معنى المفاعلة لكن من جهة الالتزام، فتكون حينئذٍ على بابها. إذاً: أفعال المقاربة، مقاربة المفاعلة هل هي على بابها أم لا؟ نقول: قيل: الأصل أنه من قرُب، وحينئذٍ لا مفاعلة كسافر. وقيل: أن الأصل في وضع (كاد وأخواتها) لقرب معنى الخبر من مسمى الاسم، لزم منه قرب الاسم من الخبر، هذا لازم له، فحينئذٍ حصلت المفاعلة في الأول الخبر للاسم بالوضع، والاسم للخبر بالالتزام، وحينئذٍ معنى المفاعلة موجود.

أَفْعَالُ الْمُقَارَبَة، هذا هو القسم الثاني من الأفعال الناسخة للابتداء، وهو (كاد وأخواتها)، وذكر المصنف منها أحد عشر فعلاً، ولا خلاف في أنها أفعال إلا (عسى) هذا محل نزاع كما ذكرناه، والصحيح أنها فعل مطلقاً، وإذا جاءت ناصبة فحينئذٍ تؤول أو تستثنى في أحوال معينة فحسب، أما أنها تكون فعلاً وتكون حرفاً هذا محل نظر.

وهذه أفعال المقاربة على ثلاثة أنواع، لأنها ليست كلها أفعال مقاربة، بل هي من باب إطلاق الكل مرادٌ به الجزء، لأن الذي يعمل عمل (كان) في هذا النوع على ثلاثة أقسام: منها ما دل على المقاربة، ومنها ما دل على الرجاء، ومنها ما دل على الإنشاء، وحينئذٍ كيف يقول الناظم: باب المقاربة وليست كلها للمقاربة، وإنما بعضها للمقاربة، وبعضها للرجاء، وبعضها للإنشاء والشروع، وحينئذٍ نقول: إما أن يكون من باب التغليب، غلَّب أفعال المقاربة على الرجاء والإنشاء والشروع، وإما أن يكون على حقيقته.

وليست كلها للمقاربة، بل هي على ثلاثة أقسام:

قيل الجواب: أنها من باب التغليب. وقيل في أفعال الرجاء والشروع أيضاً نوع مقاربة -فيها نوع مقاربة- قيل: في أفعال الرجاء والشروع أيضاً مقاربة بطريق الاستلزام، لأن رجاء الفعل دُلُوٌّ لتقدير نيله، إذا رجى الفعل حينئذٍ فيه نوع قرب، إذا رجى الفعل حينئذٍ نقول: فيه نوع قرب، فالأصل فيه إذا رجاه أن يتحرك إليه وأن يتقرب منه ذلك الفعل. هذا هو الأصل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015