فِي النَّكِرَاتِ: جار ومجرور متعلق بقوله: أعملت، أعملت في النكرات لا في المعارف، إذاً هي مختصة بماذا؟ بالنكرات، وهذا قليل إعمال لا إعمال ليس قليل جداً.

وهم مع ذلك مختلفون في جواز إعمالها قياساً على ما سمع، فذهب سيبويه إلى جواز الإعمال، لكنه قليل، وذهب الأخفش والمبرد إلى منع إعمالها وهو أقيس -وهو القياس- لماذا؟ لأنه مهمل هذا الأصل فيه، فالأصل فيه عدم العمل، لكنه سمع بعض الأشعار إعمال لا، وحينئذٍ نقول: تعمل لا، لكن بشروط وهو قليل، وليس هو كـ (ما) النافية؛ إذ (لا) حرف مشترك بين الأسماء والأفعال فحقه الإهمال، هكذا علله الأخفش والمبرد بمنع إعمالها وهو القياس، لكن السماع هنا مقدم.

ويبقى السماع على ما سمع، حينئذٍ يكون قيلاً.

إذاً فِي النَّكِرَاتِ أُعْمِلَتْ، ظاهر كلامه مساواة (لا) لـ: ليس في العمل؛ لأنه قال: أُعْمِلَتْ كَلَيْسَ لا.

ثم قال: وَقَدْ تَلِي: تليها، قد يفهم منه أن لا وليس في العمل في مرتبة واحدة، وليس الأمر كذلك؛ لأن ليس إعمالها متفق عليه، وأما لا مختلف فيه، حينئذٍ ليس المراد هنا المساواة من كل وجه، ظاهر كلامه مساواة (لا) لـ (ليس) في كثرة العمل، وليس كذلك، بل عملها -عمل (ليس) - قليل، حتى منعه الأخفش والمبرد.

فِي النَّكِرَاتِ أُعْمِلَتْ كَلَيْسَ لا: بشرط بقاء النفي والترتيب على ما مر .. بشرط بقاء النفي فلا ينتقض، فإن انتقض حينئذٍ رجعنا إلى الأصل وهو الإهمال، كذلك يشترط فيه الترتيب على ما مر بتقديم المبتدئ على الخبر، فإن تقدم الخبر على المبتدئ، حينئذٍ بطل عملها، وهي لا تقترن بـ: إن أصلاً، حينئذٍ لا نحتاج إلى اشتراط إن؛ لأنه قال:

دُونَ إنْ ... مَعَ بَقَا النَّفْي وَتَرْتيبٍ زُكِنْ.

(لا) لا تقترن بـ (إن) البتة، حينئذٍ لا نحتاج إلى اشتراط هذا الشرط، وإنما نقول: مَعَ بَقَا النَّفْي، يبقى النفي، فإن انتقض النفي بـ: إلا أو غيره بطل عمل لا.

تَرْتيبٍ زُكِنْ على ما هو الأصل، وهو أيضاً خاص بلغة الحجاز دون تميم، إعمال لا الحجازية، أما تميم فلا.

فِي النَّكِرَاتِ أُعْمِلَتْ كَلَيْسَ لا: إنما اختص عمل لا في النكرات؛ لأنها عند الإطلاق لنفي الجنس برجحان، والوحدة بمرجوحية، وكلاهما بالنكرات أنسب، وهذا يأتينا في باب لا النافية للجنس، أما التي لنفي الجنس نصاً فعاملة عمل إن.

إذاً النوع الثاني هو لا.

قال الشارح: أما لا فمذهب الحجازيين إعمالها عمل ليس ومذهب تميم إهمالها، ولا تعمل عند الحجازيين إلا بشروط ثلاثة، والغالب أن يكون خبرها محذوفاً، الغالب في لا أن يحذف خبرها، حتى قيل: يجب حذف الخبر.

كقوله: (فَأَنَا ابْنُ قَيْسِ لا بَرَاحُ ... )، يعني لا براح لي، والصحيح جواز ذكره، لقوله:

تَعَزّ فَلاَ شَئٌ عَلَى الأَرْضِ بَاقِياً، بَاقِياً هذا تصريح بخبر لا، وَلا وَزَرٌ مِمَّا قَضَى اللهُ وَاقِياً، إذاً الصواب أنه يذكر، إذاً لا تعمل عند الحجازيين إلا بثلاثة شروط:

أولاً: أن يكون الاسم والخبر نكرتين؛ لأنه نص على ذلك قال: فِي النَّكِرَاتِ، ومنه قول الشاعر:

تَعَزّ فَلاَ شَئٌ (فلا) نافية تعمل عمل ليس، شَئٌ اسمها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015