فحينئذٍ يقتضي هذا أنه لا يسمى كلماً اصطلاحياً إلا إذا اشتمل على فعل واسم وحرف، لا بد أن يوجد فيه هذه الأنواع الثلاثة، فإن نقص منها واحد لا يسمى كلماً اصطلاحياً وهذا حق أو باطل؟ باطل، واللازم باطل؛ لأنه يقتضي أنه لا يقال له: كلم، إلا إذا اجتمعت الثلاثة نحو: قد قام زيد .. ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)) [المؤمنون:1] وأما إذا اجتمع اثنان منها نحو: قام غلام زيد، هذا اجتمع منها اثنان، قام: فعل، غلام زيد: اسمان، أين الحرف؟ غير موجود، هل هو كلم اصطلاحي؟ نعم، قام غلام زيد .. ترددتم لماذا؟ قام غلام زيد: مركب هذا من كلمتين: غلام زيد كلمتان، تحسب الثنتين، وأما: قام، فهي كلمة، إذاً: ثلاثة ألفاظ، فحينئذٍ هو كلم اصطلاحاً، لكن على هذا التقسيم .. إذا جعلناه من تقسيم الكل إلى أجزائه لا يكون كلمة، لماذا؟ لعدم وجود الحرف، أو واحد نحو أبو زيدٍ قائمٌ، هذه كلم أو لا؟ كلم، أين الفعل؟ لا فعل .. أين الحرف؟ لا حرف، الثلاث الكلمات كلها من النوع الأول وهو الاسم.
إذا قلنا: من تقسيم الكل إلى أجزائه خرج النوع الأول: قام غلام زيد، وخرج الثاني، أبو زيدٍ قائمٌ، فلا يقال له: كلم، وليس الأمر كذلك، فبان بهذا بطلان القسمة من حيث هي، إذاً: التقسيم باطل على النوعين، إذا جعلنا ماذا؟ إذا جعلنا الكلم بالمعنى الاصطلاحي وهو مبتدأ، واسم وفعل وحرف: هذا خبره، لا يصح أن يكون من باب القسمة أنه تقسيم الكلي إلى جزئياته، ولا الكل إلى أجزائه لوجود اللازم الباطل.
حينئذٍ ماذا نصنع؟ أجاب المكودي بجواب، لكنه فاسد، أقبح مما .. يعني: أورد عليه أقبح مما أورد على ابن مالك رحمه الله تعالى، قال: بأن قوله: اسم وفعل وحرف، من أجل أن يحصل التطابق ويصح التقسيم، قال: هذا من إطلاق المفرد وإرادة الجمع، أي: الكلم: أسماء وأفعال وحروف، وهذا فاسد، لماذا؟ لأن الواو إن كانت على بابها فحينئذٍ أقل الجمع في الأسماء ثلاثة، وأقل الجمع في الأفعال ثلاثة: ستة، وأقل الجمع في الحروف ثلاثة: هذه تسعة، لا يصدق عليه أنه كلم إلا إذا كان مؤلفاً من تسع كلمات، وهذا باطل.
وإن كانت الواو بمعنى: أو، حينئذٍ الكلم إما أسماء فقط، أو أفعال فقط، أو حروف فقط، فإذا وجد من الاسم والفعل والحرف كما هو الشأن في: ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)) [المؤمنون:1] هذا لا يسمى كلماً، وهذا فاسد، كما يقول العامة: أراد أن يكحلها أعماها! يعني: أراد أن يجيب على الاعتراض ويرفع الإشكال فوقع في إشكال أقبح مما أورد على الناظم.
ويرد على هذا الجواب ما هو أقبح مما ورد على عبارة الناظم؛ وذلك إما أن تبقى الواو في قوله: والأفعال والحروف على بابها، فيفهم منه أن الكلم لا يطلق إلا على ما تركب من تسع كلمات فأكثر؛ لأن أقل الجمع ثلاثة، وهذا باطل .. أقل الجمع في الأسماء ثلاثة، وفي الأفعال وفي الحروف كذلك، وهذا باطل.
وإما أن تجعل الواو بمعنى: أو، فيفهم منه: أن الكلم لا يكون إلا من الأسماء وحدها، أو من الأفعال وحدها، أو من الحروف وحدها، وأما من اثنين أو من ثلاثة منها فلا يكون وهذا باطل أيضاً، فبان عدم صحة هذا الجواب.