وَبَعْدَ وَاوٍ: يعني وكذا يجب الحذف حذف الخبر وجوباً إذا وقع المبتدأ بعد واو، هذه الواو قد عينت مفهوم مع، عينت مفهوم مع، والمراد بمفهوم مع هو المصاحبة، يعني: إذا كانت الواو تفيد المصاحبة، وإذا قيل: واو مع بمعنى أنها نص في المعية لا تحتمل العطف.
كَمِثْلِ كُلُّ صَانِعٍ وَمَا صَنَعْ
كُلُّ صَانِعٍ وَمَا صَنَعْ: يعني والذي صنعه إذا جعلنا (ما) اسم موصول، وصنعتُه إذا جعلناها ما مصدر، يجوز الوجهان. أين الخبر؟ كُلُّ صَانِعٍ، كل: مبتدأ وهو مضاف، وصَانِعٍ مضاف إليه، والواو نص في المعية وَمَا صَنَعْ على ما ذكرناه، أين الخبر؟ قالوا: محذوف وجوباً، لماذا؟ لأن المبتدأ هنا وهو كل صانع قد وقع بعده واو المعية -واو المصاحبة- فلما وقعت واو المعية بعد واو المصاحبة دل السياق على أن المراد هنا: الجمع بين كل صانع وصنعته.
كُلُّ صَانِعٍ وَمَا صَنَعْ: يعني كل صانع وصنعته، فهما مقترنان، فحينئذ علم من السياق بواو المعية أن الخبر محذوف، لأنه كما سبق إذا جاءت الواو فالأصل ألا يكون الخبر بعد، هذا الأصل، إلا إذا كان ما بعدها مفرداً داخل في حيز ما قبلها.
فكل صانع: هنا انتهينا هذا المبتدأ، أين خبره؟
وَمَا صَنَعْ: لا يمكن أن يكون خبراً، أين هو؟ قالوا: محذوف، لماذا؟ لدلالة الواو عليه كأنها نابت مناب الخبر.
الموضع الثالث: أن يقع بعد المبتدأ، انظر! كل صانع، ثم جاءت بعده الواو. أن يقع بعد المبتدأ واو هي نص في المعية احترازاً من الواو التي تكون احتمالاً، كل رجل وضيعته وصنعته هي نفسها، فكل: مبتدأ، وقوله: ضيعته معطوف على كل، والخبر محذوف، لماذا؟ لدلالة الواو وما بعدها على المصحوبية من السياق يعني، الواو دلت على ذلك، وكان الحذف واجباً لقيام الواو مقام مع، قامت الواو مقام مع، ولو جيء بـ مع نصاً لكان كلاماً تاماً، وهذا مذهب البصريين أنه لا بد من الخبر وتقديره مقترنان.
وأما مذهب الكوفيين قالوا: هنا الخبر لم يحذف، وإنما أغنت عنه الواو، يعني الواو هنا سدت مسد الخبر، كما قلنا: قائم الزيدن، الزيدان هذا فاعل سد مسد الخبر، ليس عندنا خبر محذوف، الكلام لا يفتقر إلى خبر، بل الزيدان سد مسد الخبر، هنا الواو سدت مسد الخبر، فهو كلام تام لا يحتاج إلى تقدير، واختاره ابن خروف.
فإن لم تكن الواو صريحة في المعية بأن احتملت العطف نحو: زيد وعمرو مقرونان جاز الحذف والإثبات.
إذاً: الموضع الثالث الذي يجب فيه حذف الخبر: أن يقع بعد واو هي واو المعية ويكون المبتدأ سابقاً على الواو، كُلُّ صَانِعٍ وَمَا صَنَعْ، أي: كل صانع وصنعته مقترنان، ومعنى الاقتران هنا: أن صنع إذا كانت رفيعة قالوا: صاحبها كذلك، وإن كانت دنية فصاحبها كذلك. إذاً الصنعة تكون مقرونة أو مقترنة مع صاحبها.
ثم قال:
وَقَبْلَ حَالٍ لاَ يَكُونُ خَبَرَا ... عَنِ الَّذِي خَبَرُهُ قَدْ أُضْمِرَا
هذا الموضع الرابع.
وَقَبْلَ حَالٍ: وكذا إذا كان المبتدأ مصدراً أو مضافاً إلى مصدر وهو قبل حال، لا بد من التقدير.