إذاً يمتنع تقديم الخبر إذا استعمل منحصراً ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ)) [آل عمران:144] هذا أعلى صيغ الحصر، (ما) ما إعرابها؟ نافية، محمد هذا مبتدأ، (إلا رسول) المحصور فيه دائماً يكون بعد (إلا) هذا الأصل، ما اقترن بإلا هو المحصور فيه، فحينئذ صار المبتدأ محصوراً في الخبر، كأنه حصر محمداً صلى الله عليه وسلم في صفة واحدة وهي كونه رسولاً، وهذا يسمى حصراً إضافياً لا حقيقياً يعني لا إشكال فيه؛ إذ له صفات أخرى، لكن المراد هنا باعتبار المخاطب، إذاً مُحَمَّدٌ هذا مبتدأ ورَسُولٌ هذا خبر، هل يجوز أن يقال: وما رسول إلا محمد، على أن رسول هو المحصور فيه؟ لا يجوز، لماذا؟ لأن الذي يلي إلا هو المحصور فيه، ولو قدمت وأخرت التبس، ما يدرى ما المحصور وما المحصور فيه، فحينئذ إذا جاء الخبر تالياً مقروناً بعلة لا يجوز تقديمه، يعني لا يجوز تقديمه وحده، واختلفوا فيما إذا قدم مع إلا، هذه مسألة أخرى، الكلام فيما لو قيل: ما محمد إلا رسول، هل يصح أن يقال: وما رسول إلا محمد، نقول: رسول خبر مقدم، ومحمد مبتدأ مؤخر؟ نقول: لا يجوز؛ لأن رسول هذا محصور فيه وهو تالي لـ (إلا) هذا ممتنع تقديمه، كذلك إذا كان محصوراً بـ: إنما ((إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ)) [هود:12] والمحصور بـ: إنما هو الذي يكون ثانياً ليس الذي تالياً لها، المحصور فيه هو الذي يكون آخراً، ((إِنَّمَا أَنْتَ))، (نَذِيرٌ) هو المحصور فيه، (إنما نذير أنت) أنت هو المحصور فيه، الذي يكون ثانياً متأخراً هو الذي يكون محصوراً فيه.
((إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ)) نقول: نذير، هذا لا يجوز تقديمه على المبتدأ، لماذا؟ لأنه محصور فيه بـ: إنما، وبعضهم يعبر عنه بالحصر معنًى، لكنها من أدوات الحصر عند جمهور البيانيين، وحينئذ نقول: نذير لا يجوز تقديمه على أنت، لماذا؟ لأنه محصور فيه، ومحصور إنما يكون متأخراً، فلو قيل: إنما نذير أنت، حينئذ ظُنَّ أن المبتدأ هو المحصور فيه، وهذا يوقع في اللبس.
إذاً أوْ قُصِدَ اسْتِعمَالُهُ مُنْحَصِرَا نحو: ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ)) [آل عمران:144] ((إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ)) [الرعد:7]، إذ لو قدم الخبر والحالة هذه لانعكس المعنى المقصود، ولأشعر التركيب بانحصار المبتدئ، فإن قيل: المحذور منتف إذا تقدم الخبر المحصور بـ: إلا مع إلا، فظاهر كلام المصنف العموم سواء تقدم مع إلا أو لا، قيل في الجواب: هو كذلك إلا أنهم ألزموه التأخير حملاً على المحصور بـ: إنما، لكن بعضهم أجازه، أن المحصور إذا كان بـ: إلا جاز تقديمه وتأخيره معها لا دونها، لماذا؟ لأن إلا صارت قرينة على كون ما بعدها محصوراً فيه، فلو تقدم الخبر أو تأخر حينئذ نقول: هذا جائز، لو سمع مثل هذا التركيب نقول: الأصل فيه الجواز.
أوْ قُصِدَ اسْتِعمَالُهُ مُنْحَصِرَا، استعمال الخبر منحصراً فيه يعني: في المبتدئ.