إذاً الموضع الثاني أن يكون الخبر فعلاً رافعاً لضمير المبتدأ مستتراً بهذا القيد؛ إذ لو قُدِّمَ لأوهم الفاعلية، لو قُدِّمَ –الفعل- وهو خبر على المبتدأ لأوهم الفاعلية، فخرجت الجملة من كونها اسمية إلى فعلية، وهذا ممنوع نحو: زيد قام، فقام وفاعله المستتر خبر عن زيد، ولا يجوز التقديم فلا يقال قام زيد على أن يكون زيد مبتدأً مؤخراً والفعل خبراً مقدماً بل يكون زيد فاعلاً لقام فلا يكون من باب المبتدأ والخبر بل من باب الفعل والفاعل.
فإن رفع ضميراً بارزاً أو اسماً ظاهراً حينئذ جاز فيه الوجهان التقديم والتأخير، وهو داخل في قوله: وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ إذ لا ضَرَرا.
فتقول: قام أبوه زيد، زيد قام أبوه، زيد مبتدأ وقام أبوه فعل وفاعل والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، قدِّم الجملة الفعلية قام أبوه زيد، حصل لبس؟ لا؛ لأن الفعل هنا اكتفى بمرفوعه لا يرفع فاعلين، فزيد مبتدأ سواء قدمته أو أخرته، زيد أبوه منطلق، أبوه منطلق زيد. جاز التقديم والتأخير، هذا إذا رفع اسماً ظاهراً، وأما إذا رفع ضميراً بارزاً نحو: الزيدان قاما، والزيدون قاموا.
الزيدان قاما: الزيدان هذا مبتدأ مرفوع بالابتداء، ورفعه الألف لأنه مثنى، و (قاما) قام فعل ماضي والألف فاعل والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو مثنى.
الزيدان قاما، هذا على المشهور أنه جائز مطلقاً، الجمهور على أنه يجوز مطلقاً إذا رفع الفعل وهو خبر ضميراً بارزاً سواء كان مثنى ألف الاثنين أو واو الجماعة جاز مطلقاً، هذا عند الجمهور.
فإذا قدم المثنى قيل: قاما الزيدان، فالزيدان مبتدأ مؤخر، وجملة قاما هذه خبر مقدم، لكن منع بعضهم تقديم هذه الصورة، لماذا؟ لأن الفاعل يحذف للتخلص من التقاء الساكنين، فيقع لبس، فتقول: قام الزيدان، فيظن الظان أن قام هذا فعل والزيدان فاعل، فمنع بعضهم حكاه السيوطي عن والده أنه يمنع هذه الصورة قاما الزيدان؛ لأنك أنت ما تقول: قاما الزيدان، وإن أجيب بهذه قاما هذا فعل وفاعل، والزيدان مبتدأ، هذا الأصل، لكن لما وقع اللبس قام الزيدان حذفت الألف التي هي فاعل، إذاً وقع لبس، فيظن الظان أن قام ليس خبراً مقدماً بل هو فعل، وأن الزيدان ليس مبتدأً مؤخراً بل هو فاعل، فوقعنا في اللبس، فيه أن الألف تحذف لفظاً لالتقاء الساكنين، فاللبس حاصل لفظاً، وأجيب بأنه يمكن دفعه بالوقف على قاما أو الوصل بنية الوقف، ولا لبس في نحو قاما أخواك، لكن هذا يبقى فيه لبس.
وأما قاموا الزيدون هل فيه لبس؟
لا.
لماذا؟
الضمة التي على الميم.
أما قاما، الفتحة هذه موهمة أنها فتحت بناء، وهي فتحت بناء، لكنها موهمة أن يكون الفعل مسنداً إلى الاسم الظاهر قاما الزيدان، وأما قاموا فإذا حذفت الواو للتخلص من التقاء الساكنين، حينئذ بقيت الضمة على أصلها.
إذاً: إذا رفع ضميراً بارزاً حينئذ الجمهور على الجواز مطلقاً سواء رفع ضميراً بارزاً وهو مثنى، قاما الزيدان يجوز تقديم الخبر على مبتدأ أو رفع ضمير الجمع قاموا الزيدون كذلك جائز.