قالوا: لأن الكلام صفة له، هذا حق هو الذي يتكلم، ثم إذا سكت وحصلت الفائدة لا يسكت السامع وإنما يسكت المتكلم، هو الذي أدرى بما يقول، فكما أن الكلام صفة له فكذلك السكوت يكون صفةً له، هذه الفائدة إذا أطلقت عند النحاة انصرفت إلى هذا المعنى، فإذا قيل: لفظ مفيد، معناه: مفيد فائدةً تامة بحيث يحسن السكوت عليها من المتكلم، لا يصير السامع منتظراً لشيء آخر انتظاراً تاماً، بمعنى: أنه يوجد التركيب الإسنادي الفعل مع فاعله والمبتدأ مع خبره، إذا وجد الفعل مع الفاعل والمبتدأ مع الخبر حينئذٍ وجد أصل الكلام، وما زاد على ذلك من الفضلات والمفعولات والأحوال والتمييز هذا ليس داخلاً في حد الكلام من حيث الوجود، ولذلك قيل: انتظاراً تاماً احترازاً عن الانتظار الناقص ليشمل الفعل المتعدي إذا ذكر فاعله ولم يذكر مفعوله، لو قال: قام زيٌد، قام: فعل ماضي، وزيٌد: فاعله، إذاً إذا قلت: قام زيد، وسكت أنت فهمت من هذا ماذا؟ أن قام فعل ماضي وهو لازم لا يتعدى إلى مفعول وزيد هو المتصف بالقيام، وأن هذا القيام وقع في الزمن الماضي.
وإذا قلت: ضرب زيدٌ، هذا فعل متعد، فإذا قلت: ضرب زيدٌ علمت أن الضرب قد وقع من زيد، وأنه فاعل الضرب، وأن هذا الضرب قد وقع في الزمن الماضي، لكن وقع على من؟ هل هناك انتظار أم لا؟ هناك انتظار لكنه انتظار ناقص، هل عدم ذكر المفعول به يكون نقضاً لأصل الكلام؟ لا.
الفائدة التامة حصلت بقولنا: ضرب زيٌد حصلت أو لا؟ نقول: نعم حصلت؛ لأن الفائدة التامة المراد بها وجود المسند والمسند إليه بقطع النظر عن المتعلقات، فلو كان هذا الفعل يتعلق به ظرف زمان أو ظرف مكان أو جار ومجرور، حينئذٍ نقول: هذه لا أثر لها في الحكم على اللفظ وعلى التركيب بأنه مفيد فائدةً تامة، بل هو مفيد فائدة تامة، ولو كان منتظراً المتكلم أو السامع لشيء آخر، هل له أثر؟ نقول: ليس له أثر، إذاً: المراد بالمركب الإسنادي هنا: المركب الإسنادي المقصود لذاته، وهذا إنما يحصل بماذا؟ بوجود المسند والمسند إليه، بقطع النظر عن المتعلقات التي تتعلق بالمسند أو بالمسند إليه.
إن وجد الفعل مع فاعله ووجد المبتدأ مع خبره، حينئذٍ نقول: وجدت الفائدة التامة، لفظ مفيد، هل يشترط في الكلام أن يكون مركباً؟ قلنا: يشترط باتفاق النحاة، لماذا لم ينص عليه الناظم هنا كما نص عليه غيره؟ قالوا: نحن اشترطنا الفائدة التامة، وهذه الفائدة التامة يتعذر وجودها دون تركيب، إذاً: هذا القيد وهذا الشرط الذي هو التركيب موجود في الحد ضمناً، وقيل: استلزاماً، وإذا كان استلزاماً حينئذٍ اعترض عليه بأن دلالة الالتزام مهجورة في الحدود والتعاريف، ودلالة الالتزام هي دلالة اللفظ على مسماه، أو على خارج عن مسماه لازم له لزوماً ذهنياً؛ لأن المفيد المراد به ما أفاد فائدةً، وهذا لا يلزم منه أن يكون التركيب داخلاً في مسماه بل هو شيء خارج عنه.