الأول: كما سبق أن موضوع علم النحو هو الكلمات العربية من حيث الإعراب والبناء، إذاً: موضوع فن النحو هو الكلمات العربية، فأول ما يبدأ به من الأبواب والحديث ما هو الأنسب؟ أن يكون الموضوع هو الذي يتحدث عنه أولاً.

ثانياً: نظر الآخر أن الكلمة جزء، والكلام كل، يعني: مركب من أجزاء، وأجزاؤه عبارة عن كلمات، ومعرفة الجزء مقدمة على معرفة الكل طبعاً فقدم وضعاً، ليوافق الوضع الطبع، كما هو الشأن عند أرباب الكلام وغيرهم.

وقدم الأول عند الوضع ... لأنه مقدم بالطبع

يعني: إدراك المفردات مقدم على إدراك المركبات، هذا بطبيعة النفس .. طبيعة النفس لا تدرك الكليات إلا إذا أدركت الجزئيات، والعلم بالجزئيات وسيلة إلى العلم بالكليات، فلذلك قدم بعضهم الكلام على الكلمة.

الكلام وما يتألف منه: .. الكلام لوحده نقول: هذا مفرد، كلام مفرد، ثم حصلت الفائدة، والمراد بحصول الفائدة هنا الفائدة التامة التي هي الفائدة الكلامية، وهذه تستلزم التركيب، يعني: لا تحصل الفائدة الكلامية التي يحسن سكوت المتكلم عليها بحيث لا ينتظر السامع إلى شيء آخر انتظاراً تاماً إلا إذا كان ثمة تركيب من مسند ومسند إليه، من مبتدأ وخبر أو فعل وفاعل.

هنا قوله: الكلام وما يتألف منه، الكلام بالرفع، هذا إذا قيل بأنه مبتدأ على أنه مسند إليه حينئذٍ ينتظر الطالب أو السامع أو القارئ المسند الذي هو الحكم، وإذا نظر فإذا به تأتي إليه الواو، ومن القاعدة عند النحاة كما ذكر ابن هشام في المغني وغيره: أن المبتدأ إذا حكم عليه الطالب بأنه مبتدأ ثم أراد أن يبحث عن خبره، فإذا جاءت الواو فليقف ولا يبحث ما بعدها عن الخبر، لماذا؟

لأن الواو عاطفة فاصلة، يعطف بها بعدها عما قبلها، ولا يمكن أن يوجد خبر بعد واو عن مبتدأ قبلها، كما أنه لا يمكن أن يوجد فاعل بعد واو معطوفاً على فعله هذا ممتنع، فإذا كان كذلك حينئذٍ إذا طبقنا هذه القاعدة: الكلام مبتدأ، وقد حصلت به الفائدة، وما و .. إذاً: جاءت الواو لا يمكن أن يكون ما بعدها خبراً عما قبلها، حينئذٍ نقول: لا بد من محذوف نقدره، فصار التقدير واجباً؛ لأن الذي عندنا كلمة واحدة، ومن المعلوم أن الكلام لا يكون كلمةً واحدة، لا بد أن يكون مركباً من مسند ومسند إليه، مبتدأ وخبر أو فعل وفاعل .. جملة فعلية أو جملة اسمية، والكلام لوحده هكذا لا يمكن أن يكون كلاماً، يعني: لفظ الكلام، إذاً: لا بد من التقدير، فصار التقدير واجباً.

وأكثر شراح الألفية على تقدير: هذا باب شرح الكلام، وشرح ما يتألف الكلام منه .. هذا باب شرح الكلام: الكلام في الرابعة جاءت، هذا مبتدأ، وباب: خبره، وباب: مضاف وشرح: مضاف إليه، وشرح: مضاف، والكلام: مضاف إليه .. الكلام في الأصل مجرور بالكسرة على أنه مضاف إليه، حذف المبتدأ هذا فأقيم مقامه باب الذي هو المضاف إليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015