والله يقضي: هذا سؤال، خبرية لفظاً إنشائية معنىً، يعني: اللهم اقض لي، والله يقضي: خبرية أريد بها الدعاء، أي: اللهم اقض بذلك، والله يقضي، يعني: يحكم.
بهبات: جمع هبة، وهي العطية، أي: عطايا، وهنا وصف هبات وهو جمع بوافر، وهو مفرد لما ذكرناه سابقاً، هذا على خلاف الأصح، لكن لا بد من التأويل، لتأوله بالجماعة، وإن كان الأفصح: وافرات؛ لأن هبات جمع قلة، والأفصح في جمع القلة مما لا يعقل وفي جمع العاقل مطلقاً المطابقة، والأفصح في جمع الكثرة مما لا يعقل الإفراد الأفصح فيه الإفراد.
والله يقضي بهبات، يعني: بعطايا من فضلة جل وعلا وافرة، أي: زائدة، وقيل: تامة، من وفر الشيء، يعني: من وفر اللازم لا المتعدد، بهباتٍ وافرةْ: هذا الأصل، وقف على السكون من أجل الوزن.
لي وله، لي: بدأ بنفسه لحديث: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا بدأ بنفسه} رواه أبو داود، وجاء عن نوح: ((رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ)) [نوح:28] وعن موسى: ((قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي)) [الأعراف:151] وله، يعني: لابن معطي.
في درجات الآخرة: مضاف ومضاف إليه، لي وله في درجات: هذه كلها متعلقة بيقضي، أو صفات لهبات، هبات لي .. هبات له .. هبات في درجات الآخرة، ولكن بعضهم جعل في درجات الآخرة أنه متعلق بمحذوف صفة لهبات، ولا يصح أن يتعلق بيقضي، لماذا؟
لأن المعنى: والله يقضي في درجات الآخرة، درجات الآخرة ليست محلاً للحكم والقضاء أليس كذلك؟ وحينئذٍ لا يصح تعليق في درجات الآخرة بيقضي، وإنما يتعين أن يكون متعلقاً بمحذوف صفة لهبات.
واللهُ يَقْضِي بِهِبَاتٍ وَافِرَهْ ... لِي وَلَهُ في دَرَجَاتِ الآخِرَهْ
درجات: قال في الصحاح: هي طبقات من المراتب، يعني: مراتبها علية، وقال أبو عبيد: الدرج إلى أعلى والدرك إلى أسفل، والمراد: مراتب السعادة في الدار الآخرة، ولفظ الجملة خبر ومعناها: الطلب.
هذا ما يتعلق باختصار بمقدمة المصنف رحمه الله تعالى.
ونقف على هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سؤال: هل صحيح أن ابن مالك رحمه الله تعالى نظم الألفية للمبتدئين؟
- الألفية تعتبر من كتب المتوسطين في علم النحو، ولذلك يجعلها البعض بعد الآجرومية، يعني: يدرس الآجرومية شرح جيد ثم بعد ذلك لا بأس أن يأخذ الألفية، ثم بعد الألفية يأخذ: جمع الجوامع للسيوطي إذا أراد الانتهاء؛ لأن جمع الجوامع سار فيه على نهج تاج الدين السبكي في جمع الجوامع في الأصول.
تاج الدين السبكي في الأصول جمع كتابه: جمع الجوامع من زهاء مائة مصنف، والسيوطي سار بسيره فجمع كتابه من مائة مصنف، فدل على أنه قد حوى علماً جماً، وشرحه في: همع الهوام، وهذا الكتاب لو اعتكف عليه الطالب بعد الألفية الكل في الكل في النحو.
نعم صحيح تناطح سيبويه والفراء والخليل، لو اعتكف عليه وفهم الفهم الصحيح حينئذٍ تكون سيبويه زمانك، وهم يقتطفون منه كثير الأشموني والصبان وغيرهم، يأخذون منه الكثير؛ لأن فيه أقوال قد لا توجد في غيره؛ لأن المتتبع للمصنفات لا بد وأن يقف على أقوال قد لا تكون مشهورة، وهو يأتي بالمشهور وغيره.