وَمَا بِتَاءَيْنِ ابْتُدِي قَدْ يُقْتَصَرْ ... فِيهِ عَلَى تَا كَتَبَيَّنُ الْعِبَرْ
الفعل المضارع إذا بُدِءَ بتاءين جاز حذف إحدى التاءين واخْتُلِفَ في أي التاءين المحذوفة والصواب: أنَّه تاء الماضي، حينئذٍ: ((نَاراً تَلَظَّى)) [الليل:14] أصلها: (تَتَلَظَّى) حُذِفَت إحدى التاءين، لأنَّ الماضي: (تَلَظَّى) دخلت عليه التاء صار: (تَتَلَظَّى) ((فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى)) [عبس:6] (تَتَصَدَّى) هذا مثله.
(وَمَا) مبتدأ (بِتَاءَيْنِ ابْتُدِي) (بِتَاءَيْنِ) جار ومجرور مُتعلَّق بقوله: (ابْتُدِي) وجملة (ابْتُدِي) لا محلَّ لها من الإعراب صلة الموصول، وهو مُغيَّر الصِّيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (مَا)، (قَدْ يُقْتَصَرْ) (قَدْ) للتَّقليل، (يُقْتَصَرْ) الجملة خبر المبتدأ.
(يُقْتَصَرْ) مُغيَّر الصِّيغة و (فِيهِ) نائب فاعل (عَلَى تَا)، (يُقْتَصَرْ فِيهِ) يعني: ما ابتدئ بتاءين من الفعل المضارع (يُقْتَصَرْ فِيهِ) في ذلك الفعل (عَلَى تَاءٍ) واحدة، قصره للضرَّورة، وهو جار ومجرور مُتعلَّق بقوله (يُقْتَصَرْ)، (كَتَبَيَّن) الأصل (تَتَبَيَّن) فيه ثِقَل، حينئذٍ اكتفينا بإحدى التاءين، (كَتَبَيَّنُ الْعِبَرْ) يعني قولك: (تَبَيَّنُ) هذا فعل مضارع و (الْعِبَرْ) فاعله.
(وَمَا بِتَاءَيْنِ ابْتُدِي) والأصل: أنَّه يجوز فيها ثلاثة أوجه .. هذا الأصل في التاءين .. على ما ذكره النَّاظم فيما سبق، لأنَّه قال: (تَتَجَلَّى) فيه الإظهار وفيه الإدغام وفيه حذف إحدى التاءين، بهذا البيت مع ما سبق حينئذٍ (تَتَجَلَّى .. تَجَلَّى) بحذف إحدى التاءين، وهو الذي عناه بهذا البيت.
(اتَّجَلَّى) بالإدغام، ماذا بقي؟ الإظهار: (تَتَجَلَّى) تبقى كما هي، إذاً: ثلاثة أوجه فيما افْتُتِحَ بتاءين.
وَمَا بِتَاءَيْنِ ابْتُدِي قَدْ يُقْتَصَرْ ... فِيهِ عَلَى تَا كَتَبَيَّنُ الْعِبَرْ
هذا أيضاً من باب (تَتَجَلَّى)، وهو الفعل المضارع الذي اجتمع في أوله تاءان أُولاهما للمضارعة، والثانية تاء (تَفَعَّل أو تَفَاعَلَ)، إذاً: هذا من باب (تَتَجَلَّى) وهو الفعل المضارع الذي اجتمع في أوله تاءان أولاهما للمضارعة، والثانية تاء (تَفَعَّل أو تَفَاعَلَ).
وقد سبق أنَّه يجوز فيه الإدغام واجتلاب همزة الوصل، وذكر هنا: أنَّه يجوز فيه حذف إحدى التاءين والاستغناء عنها بالأخرى، ولم يُعيِّن المحذوفة .. أيُّ التاءين؟
وَمَا بِتَاءَيْنِ ابْتُدِي قَدْ يُقْتَصَرْ ... فِيهِ عَلَى تَا. . . . . . .
لم يبيِّن أي التاءين؟ قيل: الأولى، والصواب: أنَّها الثانية.
ولم يعيِّن المحذوفة، والمشهور أنَّها الثانية، لأنَّ الأولى تدلُّ على معنى المضارعة.
قال الشَّارح: "يقال في (تَتَعَلَّم وَتَتَنَزَّل وَتَتَبَيَّن) ونحوها: (تَعَلَّمُ .. تَنَزَّلُ. تَبَيَّنُ) بحذف إحدى التاءين وإبقاء الأخرى، وهو كثير جداً ومنه قوله تعالى: ((تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا)) [القدر:4] .. ((فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى)) [عبس:6] .. ((نَاراً تَلَظَّى)) [الليل:14] ".
وَفُكَّ حَيْثُ مُدْغَمٌ فِيْهِ سَكَنْ ... لِكَوْنِهِ بِمُضْمَرِ الرَّفْعِ اقْتَرَنْ