نحن صَوَّرنا المسألة الثانية .. النوع الثاني فيما دَلَّ الاشتقاق على إسقاط أحد المضعَّفيْن، وإذا نازع البصريون في كون (لَمَّ) من (لَمْلَم) وحينئذٍ كيف جاءت أصل المسألة؟ نحن فرضناها فيما دَلَّ الدليل على أنَّ أحد المُضعَّفيْن يسقط في بعض التصاريف، فإذا قلنا: هذه مادة وهذه مادة ليس أحدهما مُشتقاً من الآخر، ما الدليل على إسقاط أحد الحرفين؟
إذاً: يصير على هذا عند البصريين لا فرق بينهما .. لا فرق بين النوعين، وإنما يصلح أن يكون التقسيم الثنائي هذا للرباعي إذا كانت عينه وفاؤه مُكرَّرتين مطلقاً .. لم يدلَّ دليل على إسقاط أحد المُضعَّفيْن، هذا محل إشكال.
إذاً قيل: هما مادتان، يعني قيل: كالنوع الأول مثل (سِمْسِمِ) حروفه كلها محكومٌ بأصالتها، وهما مادتان، وليس (كَفْكَفَ) من (كَفَّ)، ولا (لَمْلَم) من (لَمَّ) .. (كَفْكِفَ) من (كَفَّ)، ولا (لَمْلِم) من (لَمَّ)، فلا تكون اللام والكاف زائدتين، وهذا مذهب البصريين.
وعليه: فالنوع واحد ليس اثنان .. على مذهب البصريين ليس عندنا إلا نوعٌ واحد، وحينئذٍ حكاية الخلاف من النَّاظم هنا هذا مبناه على مذهب الكوفيين وليس على مذهب البصريين، هذا الظاهر والله أعلم.
هما مادتان، فلا تكون اللام والكاف زائدتين، وقيل: إنَّ الصَّالح للسقوط زائدٌ واللام زائدة، وكذا الكاف، وحينئذٍ وزنُه: (فَعْكِل) .. على هذا القول وزنُه: (فَعْكِل)، وقيل: هما بدلان من حرفٍ مُضاعف، والأصل: (لَمِّمْ) و (كَفكِفْ)، (لَمِّمْ) ثلاث ميمات، و (كَفِّفْ) ثلاث فاءات، كراهةً لتوالي الأمثال في الميمات أو الفاءات قلبوا الفاء الثانية كافاً لمناسبة الفاء (كَفْكِفْ)، إذاً: الكاف .. التي هي الكاف الثانية مُنقلبة عن فاء، وكذلك (لَمِّمْ) الميم الثانية انقلبت لاماً، إذاً: ليست بتضعيفٍ.
ثُم أبدل من أحد المُضعَّفيْن لامٌ في (لَمْلِم) وكاف في (كَفْكِفْ) وهذا مذهب الكوفيين، والأول مذهب البصريين، وما وسَّطَه ابن عقيل مذهب الزَّجَّاج، يعني: اللام زائدة والكاف زائدة؛ لأنها صالحة للسقوط، وإذا اعتبرنا أن كلاًّ منهما مُضعَّف، وأنَّه يسقط تقول: (لَمْلِم) من (لَمَّ)، و (كَفْكِف) من (كَفَّ)، وسقط أحد المُضعَّفَيْن في بعض التصاريف حكمنا عليه بأنَّه زائد، هذا هو الأصل.
إذاً خلاصة البحث: أنَّ ما كان على أربعة أحرف وهو مُضعَّف الفاء والعين، حينئذٍ إمَّا أن يسقط في بعض التصاريف أو لا، الأول كلها أصول، والثاني فيه نزاع: مذهب البصريين إلحاقه بالأول كـ: (سِمْسِمِ) وهذا ليس بظاهر، ومذهب الكوفيين أنه ليس مُضعَّفاً وإنَّما هو مُبدلٌ من زائدٍ.
ثُم شرع النَّاظم في بيان ما تَطَّرِد زيادته من الحروف العشرة: (سألتمونيها)، سيذكر كل حرف له ضابط، متى نحكم عليه بأنَّه زائد؟ وهذه لها تفاصيل طويل عريضة عندهم واستثناءات وإلى آخره، لكن نذكر ما يذكره النَّاظم هنا.
ثُم شرع النَّاظم في بيان ما تَطَّرِد زيادته من الحروف العشرة، وبدأ بالألف فقال:
فَأَلِفٌ أَكْثَرَ مِنْ أَصْلَينِ ... صَاحَبَ زَائِدٌ بِغَيْرِ مَيْنِ