فعلى القولين: أنَّ (مَا) موصولة أو نكرة موصوفة، فجملة (غُيِّرَا) إمَّا صلة الموصول مشتملة على ضمير نائب الفاعل يعود إلى (مَا) وهي موصولة، أو قيل بأنَّ (مَا) نكرة موصوفة، وجملة (غُيِّرَا) من الفعل ونائب الفاعل في محلِّ جر، لأنَّ (سِوَى) مضاف و (مَا) مضاف إليه، سواءٌ كانت موصولة أو كانت موصوفة، إن كانت موصولة فجملة (غُيِّرَا) لا مَحلَّ لها من الإعراب، وإن كانت (مَا) موصوفة فجملة (غُيِّرَا) في محلِّ جر صفة لـ (مَا)، (سِوَى مَا غُيِّرَا) سوى اسمٍ غُيِّر أو فِعْلٍ غُيِّر .. مُغَيَّرٍ، والألف هذه للإطلاق.
إذاً قوله:
وَلِيْس أَدْنَى مِنْ ثُلاَثِيٍّ يُرَى ... قَابِلَ تَصْرِيفٍ. . . . . . . . . .
يعني: أنَّ ما كان على حرفٍ واحد -نفى ما كان أقلَّ من ثلاثةٍ- لا (يُرَى قَابِلَ تَصْرِيفٍ) لا يقبل التصريف، (ما كان أدنى من ثلاثة) يعني: ما كان على حرفٍ واحدٍ أو ما كان على حرفين.
وَلِيْس أَدْنَى مِنْ ثُلاَثِيٍّ يُرَى ... قَابِلَ تَصْرِيفٍ. . . . . . . . . .
ما كان أدنى نت ثلاثة أحرف ليس بقابل للتصريف، وسبق معنا قاعدة الوضع: أنَّ أصل وضع الاسم والفعل أن يكون على ثلاثة أحرف، وأنَّ أصل وضع الحرف أن يكون على حرفٍ أو حرفين، حينئذٍ ما كان على حرفٍ واحدٍ لا يقبل التَّصريف أبداً، لأنَّه لا يكون إلا حرفاً، وما كان على حرفين لا يقبل التَّصريف أبداً .. لا يدخله التَّصريف، حينئذٍ يَرِد على النَّاظم: يَدٍ وَدَمٌ وَبِعْ وَعِدْ وَقِهْ وَعِهْ، هذه أسماء وأفعال على حرفٍ أو حرفين، و (أَعطِ) على حرفين.
قال: (سِوَى مَا غُيِّرَا) لإدخال ما حصل له تغيير من الأسماء فنقص عن الثلاثة، وإدخال من الأفعال ما حصل له تغيير ونقص عن الثلاثة، كأن كان على حرفٍ واحدٍ أو على حرفين، يعني: أنَّ ما كان على حرفٍ واحدٍ أو حرفين فإنَّه لا يقبل التَّصريف البَتَّة، إلا أن يكون ثلاثياً في الأصل وقد غُيِّر بالحذف، فإن ذلك لا يخرجه عن قبول التَّصريف مثل: يَدْ وَدَمْ وَنَحو ذلك، ولذلك قلنا في بعض اللغات (دموان) بردِّ الواو، كذلك: يديان ويدان، (يديان) بردِّ الياء على لغةٍ، وبعدم ردِّه على لغةٍ (يدان)، كذلك: قِهْ، فعل أمر على حرفٍ واحد، و (أعطه) فعل أمر على حرفين، نقول: هذا كله حصل له تغيير، وإلا في الأصل فهو ثلاثي.
فإن ذلك لا يُخْرِجه عن قبول التَّصريف، وقد فُهِم من ذلك أمران:
الأول: أنَّ الاسم المُتمكِّن والفعل لا ينقصان في أصل الوضع عن ثلاثة أحرف، لأنَّه سبق أنَّ الصَّرف إنَّما يدخل الفعل والاسم، ثُمَّ نفى أن يكون أدنى من ثلاثة يدخله الصَّرف، فهِمنا من هذا: أنَّ أصل وضع الاسم أن يكون على ثلاثة أحرف، لأنَّه يدخله الصَّرف، وأنَّ أصل وضع الفعل أن يكون على ثلاثة أحرف، لأنَّه يدخله الصَّرف، هذا فُهِم من قوله:
وَلِيْس أَدْنَى مِنْ ثُلاَثِيٍّ يُرَى ... قَابِلَ تَصْرِيفٍ. . . . . . . . . .
ما كان أدنى .. أقل من ثلاثة أحرف لا يقبل التَّصريف .. لا يُرى قابلاً للتصريف، حينئذٍ فهمنا من هذا: أنَّ أصل وضع الاسم أن يكون على ثلاثة أحرف، لأنَّه قال في السَّابق:
وَمَا سِوَاهُمَا بِتَصْرِيْفٍ حَرِي ..